نقطة غليانة
عبد الكريم النّاعم
بدا لي أن عنوان “نقطة ساخنة”، لا يكفي، فهي نقطة شديدة الغليان، خاصّة إذا أُخذت في زمننا الذي نحن فيه، وهي قديمة حديثة، وستظلّ تتجدّد حتى تنتهي الفعاليّات التي تمدّها بالحضور، ولْنتذكّر ما كانت عليه بلدان أوروبا قبل عصور التّنوير، وكيف غابت بعض المقولات الخلافيّة، حتى كأنّها لم تكن.
هذه النقطة التي أُثيرت بحدّة على صفحات التواصل الاجتماعي، وهي بأيّهما نأخذ، بما يقوله (العقل) أم بما جاء به (النّقل)؟.
هنا لابدّ من التذكير بأنّ هذه المسألة أُثيرت باكراً في الفكر العربي الإسلامي منذ أيام (المعتزِلة)، وللأسف أنّ طرفي الصراع، مَن كان معها، أو مَن كان ضدّها، قد التجأا إلى العنف، والتصفية، بدلا من ذلك الاغناء الذي كان في البدايات، حيث كان يجتمع المتألّه بالزّنديق، بالشاكّ، بالمخالِف، ويتناقشون بحريّة دون أن يخشى أحد منهم على رقبته، وغُيّب فكر (المعتزلة) فيما بعد، وفكر بعض المذاهب التي تقاطعت معه في الكثير من الرؤى، وفُرض رأي أهل (النّقل) بقوّة السيف، وامتدّ واستطال، حتى مهّد للاحتلال التركيّ الظلاميّ البغيض.
هنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ عددا من المفكرين العرب والإسلاميّين يطرحون بقوّة ضرورة مراجعة مدرسة (أهل النقل)، لأنّ تلك المنقولات مليئة بالإسرائيليات، والخرافات، وكلّ سندها أنّها حملتْ (عنْعنتَها) لا غير، وطرحوا ذلك لاصطدام بعض المقولات بمكتشفات العصر العلميّة، ولقد كانت بدايات القرن الماضي غنيّة ببعض المفكّرين العرب والإسلاميّين الذين تمتّعوا بالجرأة في مواجهة هذه المعضلة، الأفغاني، محمد عبده، الزهراوي، الخ..، بيد أنّ المال الخليجي تمكّن من التسلّل، والتمدّد، في عصرنا، ورافق ذلك كسل فظيع من قبل القوى العلمانية التقدميّة الموجودة في سدّة الحكم، ولكنّ هذه الفترة لم تخل من إضاءات في الرأي، والجرأة، والاجتهاد، كالشيخ محمد مهدي شمس الدين في لبنان، والشيخ بدر الدين حسّون في سوريّة، كأمثلة، والشيخ محمد حسين فضل الله، والذي كان له رأي ناصع، مُحكَم، عقلانيّ، في هذه المسألة، فقال ما معناه إذا اختلف العلم مع الدّين فلْيراجعْ الدّين دفاتره.
بموازاة ذلك يقف (أهل النّقل) ليقول قائلهم إذا اختلف العلم مع النّقل فنحن نأخذ بالنّقل، على الرغم من أنّنا لدينا منقولات لا تُحمَل لا في مُنخل، ولا في غربال، ولستّ بصددها الآن.
تعالوا نبحث عن مخرج واقعيّ لا يختلف فيه اثنان، وهي أنْ ندير ظهورنا لتلك المسائل التي لم تجد حلاّ لها عبر أكثر من ألف وأربعمائة عام وتزيد، ولْنذهب إلى ما يكون أكثر شدّاً للّحمة الاجتماعيّة، وهو الإعلاء من شأن مبدأ (المواطنة)، فكلّ مَن وُلد فوق أرضنا، ولم يتآمر عليها هو منّا، أيّا كانت معتقداته الدينيّة، مؤمناً كان أم مُلحداً، وليكن همّنا في إقامة دولة القانون، والكفاية، والعدل، وعلى رأس ذلك كلّه تحرير الأرض المحتلّة.
أعتقد أنّ الصمت على هذا جُبْن، أو انتهاز، احتفظوا بعقائدكم لأنفسكم، ولنعمل جميعا لترميم الخراب الذي حصل، ولإشادة مستقبل لا نخجل فيه من أبنائنا وأحفادنا.
aaalnaem@gmail .com