كلام في الفن التشكيلي
أكسم طلاع
يفتقر المشهد التشكيلي السوري منذ سنوات إلى تلك الملامح الأصيلة لفن الرسم، التي تؤكد توفر المهارة والخبرة الحقيقية عند أغلب الفنانين الذين يطفون كبقع الزيت على سطح الصفحات الزرقاء ومواقع التواصل الجديد محاولين زج محاولاتهم قسرا في الذوق العام والذائقة التشكيلية عموما، وميسرة أمورهم من خلال زواج المنفعة بين اللوحة وبعض الفنانين من جهة، وبين أصحاب صالات العرض الخاصة ومعهم بعض مقتني الأعمال الفنية الباحثين عن ملمعات حضورهم السمج في الثقافة التشكيلية والحياة المدنية التي تتطلب بعض مكملاتها الوهمية، وقد سقط بعض الفنانين في بؤس هذا المشهد وأضحى المال غاية الفن وثقافة صاحب المال وذوقه هو الذي يملي على البعض من هؤلاء “الشغيلة الفنانين” طلباته التي تتساوى مع حاجته للوجبات السريعة وخصلات الشعر المستعار التي يحتاجها. فقد أصبح هناك كم كبير من الأعمال الممسوخة والملطوشة من صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي ونسبها لهم تحت ذريعة المغامرة الفنية والبحث عن التجريب، علما بأن هذه التجارب الأصلية قد ملّ منها أصحابها منذ زمن بعيد وتركوها.
هذا الرهط من الفنانين الجدد خلال العشر سنوات الماضية لم يبق لفن الرسم مكانا عندهم كما يتهمونه بالعمل الحرفي وأشغال الاعتياد والمهنية التي لا تتطلب أي تجاوز أو مواكبة لروح العصر أو التعبير عن نزعات النفس البشرية، وأن هذا المسخ الجديد الذي ينتجونه هو الفن وما عداه لن يكون؟! للأسف مشى في هذا الركب عدد كبير من الفنانين الشباب المهيئين أصلا للوثة التغريب والتنازل عن الحميمية التي يتصف بها الفن السوري والتقانة والحرفية التي لم تكن يوما من أسباب تراجع القيمة في اللوحة والفن عموما.
لكن معرض الفنان عبد الله أبو عسلي قد أعاد فن الرسم للواجهة وخاصة رسم المنظر الطبيعي والأمكنة الريفية السورية، مؤكدا أن فن الرسم القادم من محترفات الأكاديمية لن يقارن بتلك التجارب البائسة التي تنحو نحو ما يسمى الحداثة الكاذبة، فلا بد من القول في ظروف فارقة تمر فيها بلدان كثيرة على مستوى منتجها الثقافي، وخاصة الدول العربية التي تعرف بإرثها الفني والحضاري والتشكيلي الذي بدأت تشهد مع ربع الألفية الماضية وبداية هذه الألفية ظهور تجارب فنية تتجه نحو مسارات تقارب العبث ربما لم يسلم هنا إلا بعض القوى التي لا تزال تنظر إلى الثقافة كأحد أدوات الدفاع عن الوجود والنمو ومواجهة الاجتياح الثقافي المرافق لسيطرة اقتصادية وعسكرية، وصولا إلى إنتاج المسخ الثقافي “المُشرْعَن” بمبررات الحداثة والانفتاح، وقد رأينا ما فعلته الفنون وأدوات الإعلام في هذا الاتجاه مدعومة بضخ كبير من المال في إنتاج هذا الفضاء، والخوض في شراكات مع جهات لا تضمر إلا السوء للثقافة العربية ولطموحات التنوير والنهضة.