الأطباء يواكبون الغلاء بأسعار التعرفة الطبية..”المهنة الانسانية” تغرق في مستنقع الاستثمار
لم يمض شهر على ارتياد سمر عيادة طبيبة الأطفال، مصطحبة طفلتها المريضة، لتفاجأ برفع الطبيب المختص تعرفته الطبية بزيادة ألف ليرة للتعرفة المعتادة له، وعند سؤالها لسكرتيرته الخاصة عن عدم سماعها برفع أجور الأطباء من قبل الوزارة، كانت الإجابة بأن الطبيب لا ينتظر الوزارة لتصدر له تعليمات خاصة بعمله، وأن الوزارة غافلة عن ارتفاع المعدات الطبية، ومتناسية ما يدفعه الطبيب من جيبه في عيادته، ولا تراعي خسارته المادية، وتعبه الجسدي طوال النهار، وبالتالي لم يعد الأطباء ينتظرون قرارات الوزارة، بل على العكس يرفعون تعرفتهم عندما يشعرون بالحاجة لذلك، ضاربين عرض الحائط بالقوانين، وبالالتزام بتعاميم وقرارات وزارة يتبعون لها؟!.
مزاجية التعرفة
رفع تعرفة الأطباء بشكل شخصي دون الرجوع إلى قرارات الوزارة لم يعد حكراً على الأطباء الذين تقع عياداتهم في الأرياف، ولا على الأطباء ذوي الاختصاصات الصعبة والقليلة في البلد، بل على العكس نجد الأطباء في مراكز المدن رفعوا تسعيرتهم الطبية إلى الضعفين، كذلك الأمر بالنسبة لعدد كبير من الأطباء غير المختصين باختصاص، حيث قاموا بكتابة جميع الاختصاصات على لافتات عياداتهم لجذب المرضى الذين سيعتقدون أن هؤلاء الأطباء يمتلكون خبرة شاملة بكافة الأمراض، وبالتالي لن يشعروا بعمليات نصب هؤلاء الأطباء، وتحدث لنا “عبد المنعم”، أحد المرضى، عن وصول تعرفة أحد الأطباء في منطقة الصالحية بدمشق إلى 10000 ليرة، علماً أنه لم يقم بأي فحص نوعي أو خاص سوى المعاينة الطبيعية له، وعند قيام المريض بسؤال الطبيب عن أحد الأدوية التي يتناولها والده، ومدى إمكانية الاستفادة منها، والعلاج بها، قام الطبيب بطلب 50000 ليرة أجرة إضافية كونه قدم استشارة لوالد المريض الذي لم يكن موجوداً بالأصل مع ابنه، وتساءل عبد المنعم عن رقابة وزارة الصحة، ونقابة الأطباء النائمتين على آذانهما عن هؤلاء الأطباء الجشعين الذين يضطرون المرضى للبحث عن غيرهم، هؤلاء الأطباء الذين تناسوا دور مهنتهم الإنسانية أكثر منها المادية، وجشع هؤلاء الأطباء المترافق مع جشع التجار، وارتفاع تكاليف المعيشة التي وصلت بالمواطنين إلى حد الاختناق، وطالب البعض بضرورة وضع لافتة في العيادة توضح أجرة المعاينة مختومة من قبل وزارة الصحة تحدد فيها مدة خبرة الطبيب، وإلزام الطبيب كذلك بضرورة إعطاء المريض فاتورة بعد المعاينة الطبية لضبط حالة الخلل المستشرية في الوسط الطبي؟!.
الأطباء يعترضون
وفي المقابل وجدت شريحة كبيرة من الأطباء أن وزارة الصحة ليست منصفة في قراراتها بحقهم، خاصة في ظل الأزمة الراهنة التي رفعت التكاليف المعيشية على الجميع، ومن بينهم هذه الفئة “الطبية”، ولم تراع الوزارة الأطباء في رفع أجور معاينتهم، بما يحقق التوازن بين المريض والطبيب، فيما وجد البعض الآخر أن نوع الاختصاص، والإجراءات التشخيصية التي يقوم بها الطبيب، وسنوات الخبرة للطبيب، والموقع الجغرافي لعيادته، يجب أن يتم أخذها بالحسبان، فالعيادة في وسط المدينة تختلف عن العيادة في الريف، عدا عن ذلك تلعب الأجهزة الطبية المستخدمة دوراً أساسياً في رفع أجور المعاينة، وهذا ما يغفله المريض، فأجهزة الكشف تختلف من حيث دقتها وحداثتها من طبيب لآخر، وهذه الأجهزة مكلفة مادياً، وبالتالي من الطبيعي أن يرفع الطبيب أجرة معاينته في حال كان يملك أجهزة متطورة، وعيادة في مركز المدينة، وشهادة خبرة طويلة، وألا يبقى ينتظر قرارات وزارة الصحة المجحفة بحق الأطباء، عدا عن ذلك فقد طرأت عدة زيادات في دخل المواطن السوري، ورافقتها زيادة في أسعار جميع المواد والسلع الاستهلاكية والضرورية، وزيادة في أسعار الدواء، ولم نجد الأيدي تعلو، والأصوات ترتفع في وجه هؤلاء التجار مثلما ترتفع عندما يقوم أي طبيب برفع أجرة معاينته دون الرجوع لوزارة الصحة؟!.
انتعاش للصيادلة
وانطلاقاً من النظرية القائلة: “مصائب قوم عند قوم فوائد”، فقد وجد الصيادلة من رفع الأطباء لأجور معايناتهم بشكل شخصي باباً للرزق لم يكن في الحسبان، حيث اكتفى الكثير من المرضى بالذهاب إلى الصيدلية، واستشارة الشخص الموجود في الصيدلية ليصف له الدواء المناسب لحالته المرضية دون الرجوع للطبيب المختص، متناسين أن أغلب المقيمين في الصيدليات هم ممن لا يملكون شهادة صيدلة، أو أية شهادة طبية تسمح لهم بتقديم نصيحة، أو استشارة طبية، ما يسبب في الكثير من الأحيان حالات مرضية نتيجة الاستشارة الخاطئة المقدمة من قبل المقيم في الصيدلية الذي هو أيضاً لم يتناس أن يضيف إلى سعر الدواء مبلغاً “عينياً” لا يضاهي أجرة الطبيب ثمناً لتقديمه الاستشارة الطبية لهذا المريض، في حين وجد الكثير من الأطباء ضالتهم المادية في ترك البلد، والهجرة خلال سنوات الأزمة إلى دول أخرى لعدم رغبتهم في رفع أجور معاينتهم تلقائياً، وعدم اكتفائهم بالكشفية الموضوعة من قبل الوزارة، وحصولهم على فرص عمل مغرية في دول أخرى، ما أفسح المجال لمن بقي من أطباء في البلد للتحكم بالمرضى بشكل مخيف!.
حاجة ملحة
نقابة الأطباء وقفت إلى جانب الأطباء لتؤكد على لسان “نقيب أطباء سورية” عبد القادر حسن أن الأطباء في سورية يعيشون في حالة من الظلم، وأن وزارة الصحة غافلة كلياً عن هؤلاء الأطباء، فأجورهم مازالت إلى اليوم محددة بالقرار الصادر منذ عام 2004، وهذا لا يتناسب مع الوضع المعيشي الصعب، وبالتالي بات رفع أجور الأطباء حاجة ملحة تستوجبها الظروف المعيشية بهدف الحفاظ عليهم، وإبعاد فكرة هجرتهم خارج البلد عن تفكيرهم، وقد اقترحت النقابة في المؤتمر العام السابق رفع الأجرة لكل معاينة حوالي 2000 إلى 2500 عن المعاينة السابقة، لكن وزارة الصحة لم توافق على هذا المقترح أسوة بالوضع المعيشي الصعب للمواطنين، وعدم رغبتها بزيادة العبء عليهم، وأضاف حسن بأن قرار المؤسسة السورية للتأمين رفع تسعيرة أجور الأطباء المتعاقدين معها خطوة جيدة مبدئياً نحو تحقيق التوازن بين المريض والطبيب، وعن رفع الأطباء لأجور معاينتهم بشكل تلقائي لم يلق نقيب الأطباء كل اللوم على الأطباء في اتخاذهم القرار برفع أجور معاينتهم دون الرجوع لوزارة الصحة، لأن الجميع يتجاهل رفع أسعار المواد المستهلكة، لاسيما أن معظمها يتم استيرادها، علماً أن أسعار المواد الطبية المستوردة تتجاوز أسعار المواد المصنعة محلياً بأضعاف، فعلى سبيل المثال تجاوز سعر جهاز تحليل السكري حالياً 5000 ليرة، و”بكرة” تخطيط القلب تباع اليوم بـأكثر من ألفي ليرة، فمن الطبيعي ألا يتحمّل الطبيب وحده ارتفاع سعر هذه الأجهزة، ولا ننسى أن الطبيب هو مواطن أيضاً تعرّض خلال الأزمة لما تعرّض له جميع المواطنين من ظروف معيشية صعبة، وتهجير، وفقدان عيادته، لذلك وجب علينا الأخذ بالحسبان جميع هذه الأمور عند معالجة موضوع زيادة أجور الأطباء حالياً، ومع ذلك تقوم النقابة بملاحقة جميع الشكاوى التي ترد إليها، وتقوم بمعالجتها، وتعمل بشكل مستمر على توفير الظروف المناسبة قدر المستطاع للحفاظ على الأطباء السوريين داخل البلد لتلافي هجرتهم التي ستمثّل خسارة كبيرة لنا في حال فقدان هذه الكوادر الطبية المتميزة، وعلى الرغم من أن عدد الأطباء السوريين الذين غادروا البلد منذ بداية الأزمة حتى اليوم لا يتجاوز 20%، إلا أن النقابة تقف دوماً إلى جانب الأطباء، خاصة في ظل الأزمة، فالأطباء هم جزء من المجتمع، ويتأثرون أيضاً بالظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها معظم المواطنين.
ميس بركات