ثقافةصحيفة البعث

“الشيخ جاكسون” مضمون لا يعكس الفكرة

كثيرة هي إغراءات النجومية “العالمية” وخاصة في عالم الفن السابع، والطموح ببلوغها يكاد يعمي أبصار صانعي السينما، وخصوصاً في عالمنا العربي، فأصبحت الأعمال السينمائيّة بلا مضامين فارغة المحتوى فاقدة الهوية، والأبشع تناولها لمواضيع لا تلامس مجتمعاتنا العربية حيناً، وتافهةً أحياناً، وكلّ هذا في سبيل الترويج خارج الحدود.

كلام قاسٍ ولكن ينطبق على عديد الأعمال السينمائية العربية في السنوات الأخيرة، وليس آخرها فيلم “الشيخ جاكسون” الذي رشحته مصر لدخول الأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي، وهنا وجب التوضيح لكثرة المغالطات، فالفيلم لم يدخل الترشيحات الرسمية للمسابقة وإنما رشح من دولته لدخول الترشيحات النهائيّة، ولكن الفيلم نال الكثير من الجوائز الأوروبية والعالمية، وهذا بالضبط سبب تناولنا إياه. نبدأ من قصّة الفيلم الذي يروي حكاية مراهق (أحمد مالك) يفقد والدته، يعيش مع والده (ماجد الكدواني) الذي يعتبر العنف هو الوسيلة المثلى لتربية ابنه. يتهرب الولد من عنف أبيه ويعيش في عالم خيالي صنعه لنفسه، يقع في عشق أسطورة البوب مايكل جاكسون، ويرى في كلماته ملاذاً له، وبعد تكرار العديد من المواقف والمشاحنات مع والده، يذهب للعيش مع خاله المتدين. ليظهر لنا بصورة الإمام المحافظ هو الشيخ خالد/هاني (أحمد الفيشاوي) تنقلب حياته رأساً على عقب مع موت نجمه الموسيقي المفضل. ولا شكّ أن المخرج عمرو سلامة الذي شارك في كتابة السيناريو إلى جانب عمر خالد، أتقن لعبة الانتقال بين الشيخ المعذّب عام 2009 والمراهق المشوش عام 1991، من هوس الشاب خالد بجاكسون إلى تذمر والده من هذا التعلق ووفاة الأم، إلى هوسه بالبكاء أثناء الصلاة في المسجد ودعوة ابنته إلى الابتعاد عن سماع الموسيقى الغربية وقطع خط الانترنت في المنزل. وهذا ليس بغريب عن أفلام عمرو سلامة الذي قدّم أفلاماً ناجحة جداً محلياً، كـ “أسماء” و”صنع في مصر”.

يطرح الفيلم العديد من المشكلات، وللأسف لا نجد حلولاً ولا حتى اقتراحات لها، فما الداعي لكثرتها!؟ الجواب الوحيد على هذا التساؤل هو التسويق للفيلم خارجاً ونيل الجوائز، وخاصة أن أغلب هذه المشكلات يتلقفها المشاهد الغربي بنهم فهي تؤكد نظرته المتطرفة إلى الدين الإسلامي والعرب، والفيلم مترجم أيضاً للغة الإنكليزية أي لا يوجد نسخة خاصة لدور السينما العربيّة خالية من الترجمة.

بالتأكيد لست مع التطرف أو التعصب الديني بكل أشكاله، وتناول قضايا دينية غالباً ما تحوم حوله الأقاويل، ولكن تشويه صورة الإنسان الملتزم دينياً هي ما يثير الأعصاب، إذ لم يظهر في الفيلم أي إشارة أو دلالة على تزمت الشيخ، فما الداعي لإظهاره بمظهر المنافق الذي يهمه بكاؤه أكثر من إمامته بالمصلّين، ثمّ إن العديد من الشيوخ يسمعون الموسيقى ويتفاعلون معها، فما هو الغلط بمحبة “ملك البوب”. كلّ هذا مقبول فقد تختلف الآراء حول الفكرة، لكن عند مشاهدة النهاية، يتفق الجميع على غياب الهدف والابتعاد عن سير الفيلم، فها هو شيخنا يتبع نهج الوسطية الدينية ويسمح لابنته باستخدام الانترنت، ويخلع عنه العباءة البيضاء، فجأةً ودون تمهيد.

ربما النقد الغربي الوحيد أو الأقوى هو عدم الحصول على التصريح لاستخدام موسيقى مايكل وفيديوهاته بالفيلم، ما اضطرّ المخرج إلى تقديم مشهدٍ سخيف يحاكي معظم أعمال جاكسون. أما عربياً، فقد واجه الفيلم النقد الكثير، وأغلبه تَركَز على فقر النص والافتقار للجودة المطلوبة، على الرغم من إبداع الممثلين بخلاف الفيشاوي طبعاً الذي بدا وكأنه لا يبذل مجهوداً على الإطلاق.

سامر الخيّر