رأيصحيفة البعث

تجارب محفوفة بالمخاطر

بعد عام من وصول ترامب إلى البيت الأبيض بتنا ندرك لماذا تحققت “المعجزة”، وتبوأ أحمق لا يفقه “ألف باء” السياسة سدة الحكم في أكبر دولة في العالم اقتصادياً وعسكرياً، إذ هناك ملفات معقدة في مناطق عدة لم تستطع الإدارات الأمريكية المتعاقبة فتح ثغرة في جدار حلها، هذا في حال أراد الرئيس الأمريكي التعامل معها بعقل وحكمة، فكان لابد من شخصية إشكالية يمكن عبرها الإقدام على مغامرات قد تؤدي إلى نتائج كارثية، أو تحقق ما يصبو إليه الكيان الصهيوني ولوبياته في أمريكا، وهذه المواصفات وجدت في دونالد ترامب الذي لم يكن أشد المتفائلين به يتوقع نجاحه في الانتخابات عبر كذبة صناديق الاقتراع.

لقد مهّد ترامب خلال حملته الانتخابية لمشاريعه وخططه فيما يتعلق بعلاقات أمريكا مع المنظمات الدولية ومع الملفات الشائكة حول العالم، ومنذ لحظة أدائه القسم تخلّى عن دعمه لمعظم المنظمات الدولية، وبدأ بالترويج لنقل سفارة بلاده من “تل أبيب” إلى القدس المحتلة، وألحقها بفكرة إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، والذي اعتبر حين التوقيع عليه إنجازاً تاريخياً للبشرية جمعاء، ليأتي ترامب ويمسح بجرة قلم جهود سنوات من المفاوضات المضنية، ضارباً عرض الحائط بالمواثيق والأعراف الدولية، فيما جاءت ردود الفعل، وخاصة العربية والإسلامية على هذا التوقيع أقل بكثير مما كان متوقعاً من أركان الإدارة الأمريكية والصهاينة، حيث كان الحراك الشعبي خجولاً في العالم الإسلامي، ولم تكن الفصائل الفلسطينية على قدر ما يعوّل عليها بعد أن انشغل بعضها في المخطط الصهيووهابي لتدمير الدول التي كانت تدافع عن القضية الفلسطينية وفي مقدمتها سورية، في حين ذهبت أنظمة الخليج إلى أبعد من ذلك، إذ باركت خطوة ترامب، ولو من تحت الطاولة، ووضعت كل بيضها في سلته، وذلك في سبيل استمراره توفير الحماية لعروشهم التي “لن تبقى أسبوعاً دون الحماية الأمريكية” حسب ما أعلن ترامب، واتخذت الموقف ذاته من إلغاء الاتفاق النووي، بل طالبت بتشديد العقوبات على طهران.

وهنا نتساءل إذا كانت “إسرائيل” ترى أن مصلحتها تكمن في اختلاق بؤر توتر جديدة من شأنها حرف بوصلة الصراع من عربي- إسرائيلي إلى عربي- عربي وخليجي- إيراني، فأية مصلحة لأنظمة الخليج في ذلك غير وضع المنطقة في حال من سباق التسلح ستكلف خزائن آل سعود، ومن يدور في فلكهم رهن ثرواتهم النفطية لعقود قادمة، وإبقاء المنطقة في حال من انعدام الأمن والاستقرار، وستزيد أجواء العلاقات العربية المتلبدة مع الجوار مزيداً من التوتر والعداء؟.

الجواب ببساطة هو تلاقي المصالح بين الإدارة الأمريكية وأنظمة الخليج والكيان الصهيوني، وبالتالي فإن مجمل ما يجري من تطورات على الساحتين العربية والإقليمية هو نتيجة طبيعية لذلك، ما يعني أن مواصلة سيرهم في المخطط، أو التراجع عن بعض بنوده رهن بردود الفعل من المستهدفين، حيث إن إلغاء الاتفاق النووي، والسير في العقوبات سيكلّف أوروبا مليارات الدولارات، ويحمّلها أعباء إضافية على اقتصادها المتراجع أصلاً، ولهذا بدأنا تلمّس محاولات أوروبية للخروج من تحت العباءة الأمريكية عبر إعلانها التعامل باليورو بدلاً من الدولار في المعاملات النفطية مع إيران، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح عليها اتباعها بخطوات في الطريق ذاته للضغط على أمريكا، وجعلها تراجع حساباتها، في حين تبقى القضية الفلسطينية رهناً بما يقوم به الفلسطينيون في الداخل لمواجهة مشروع تصفية قضيتهم بدعم عربي وإسلامي.

باختصار ما يقوم به ترامب من تجاوزات للقوانين والأعراف الدولية تجارب محفوفة بالمخاطر، ويرتبط نجاحها أو فشلها بكيفية الرد عليها من المستهدفين والمتضررين من تبعاتها، وعليه فإن الخطوة الترامبية وضعت أمريكا والكيان الصهيوني أمام مأزق معقد للغاية، فلا الحرب المباشرة والمفتوحة ممكنة، ولا الانسحاب أيضاً، وبالتالي فإن المشهد في المنطقة والعالم لايزال ضبابياً، والأيام والأشهر القليلة القادمة ستوضح بأي اتجاه ستسير الأمور.

عماد سالم