أدوات كهربائية بجودة متدنية وأسعار كاوية.. و”الكفالــــة تجريبيــــة فقــــط” و”العطــــل ســــوء اســــــتخدام”!
رغم انخفاض نسبي، واستقرار ملحوظ حققه سعر الصرف في السنتين الأخيرتين من عمر الأزمة السورية، لا تغيرات تذكر، ولا هزات فعلية طالت سوق الأدوات الكهربائية المنزلية، وأسعارها المرتفعة التي باتت حيازتها بالنسبة لعائلة في طور التأسيس حلماً يصنف في خانة الرفاهية المحرمة، وهو ما أبعد فئات واسعة من المستهلكين ذوي الدخل المحدود، ودفعهم باتجاه أسواق المستعمل، لتنشط وتزدهر تجارة البضائع مجهولة المصدر التي لا يضمن البائع للمشتري جودتها، ولا كفاءة عملها، ولا حتى عمرها الافتراضي المتوقع، وكثيرة هي القصص التي نسمعها عن غبن أو احتيال طال الباحثين عن تلك الأدوات بعد أن حاولوا توفير ما استطاعوا من الليرات لامتلاك ما يحتاجونه منها بأسعار مقبولة، وصموا آذانهم مكرهين عن النصيحة الذهبية التي يقدمها المختصون في هذا المجال، والتي تقول: الأدوات الكهربائية لا ينصح بشرائها مستعملة.
دون كفالة
ولكن إذا كانت عمليات شراء الأدوات الكهربائية المستعملة، وما يحصل فيها من غبن وفوضى مبرراً أو مفهوماً في ظل الظروف الحالية، فلا يمكن أن نبرر على الإطلاق حالات الفوضى التي يتحدث عنها البعض في سوق الجديد من هذه الأدوات، فالشكاوى تبدأ من التباينات الملحوظة في أسعار هذه المنتجات بين شركة وأخرى، والارتفاع الكبير في أسعار بعض المنتجات حتى دون أن تكون من ماركات مشهورة، وربما أكثر ما يثير ويلفت في هذه المسألة، المصادر المجهولة التي تأتي منها بعض هذه البضائع لتباع لاحقاً للمستهلك دون كفالة حقيقية، وبكفالة تجريبية، يتحدث مثلاً أحد المستهلكين كيف أنه اشترى منذ مدة بسيطة مبردة ماء بسعر قارب الـ 80 ألف ليرة سورية، ولكن “يا فرحة ما تمت”، فلم تلبث تلك المبردة أن تعطلت، وحين اتصل بالشركة التي حصل منها اعتذروا عن صيانتها بحجة أن العطل ناتج عن سوء في الاستخدام، وهي الحجة نفسها التي سمعها مستهلك آخر حين تعطلت شاشته التلفزيونية رغم أنه اشتراها منذ ثلاثة أشهر بسعر تجاوز الـ 150 ألفاً، ورفض البائع تعويضه أو تكفّله بعملية الصيانة بحجة أن الكفالة تجريبية فقط، والعطل ناتج عن سوء استخدام، تلك الحجة المفضلة عند الكثير من الشركات للتهرب من الكفالة الحقيقية لمنتجاتهم أو بضائعهم الصينية بمعظمها!.
تحرير أسعار
حين طرحت وزارة الاقتصاد والتجارة فكرة تحرير أسعار بعض السلع والمواد كالألبسة، والأجهزة الالكترونية، والأدوات الكهربائية، وغيرها، وأعلنت عدم تدخل الدولة في تجارة البضائع والسلع محررة الأسعار، كان الهدف من هذه الخطوة خلق حالة منافسة سليمة بين الفعاليات التجارية لتقديم منتج جيد، وبسعر مناسب للمواطنين والمستهلكين، وكان طرحها وفق جدول زمني، وبشروط محددة تضمن بالدرجة الأولى حقوق المستهلك بالحصول على بضاعة عالية الجودة، وبأسعار تنافسية، وطالبت الوزارة آنذاك تجار هذه البضائع بالإعلان عن أسعار منتجاتهم، وبيان بطاقة المنشأ التجارية كضمان لجودة بضائعهم، ولحماية المستهلكين، ومن الشروط التي رافقت تحرير الأسعار حينها الطلب من التجار والباعة والمستهلكين على حد سواء التعامل بموجب فواتير رسمية تضمن حقوق الجميع، وكان مخططاً أن ترافق هذه العملية رقابة صارمة من مديريات حماية المستهلك التي تسحب عينات بشكل دوري من السلع، وتتأكد من مطابقتها للمواصفات التي تضعها هيئة المواصفات القياسية التابعة لوزارة الصناعة التي تقوم بوضع معايير خاصة بهذه السلع.
لكن الملاحظ اليوم، في ظل الظروف التي مرت، الغياب الكامل لمعايير الجودة والمواصفة القياسية عن الكثير من البضائع محررة الأسعار، وخاصة الأدوات المنزلية الكهربائية، وغيرها من بضائع ترتبط بتكنولوجيا سريعة التطور والاستهلاك، إذ لا توجد حتى الآن معايير واضحة ومواكبة تحدد المعايير والمواصفات القياسية التي تكون عليها هذه الأجهزة.
مع الأسف تثبت هذه التجربة الاقتصادية يوماً بعد يوم الفشل بجدارة، إذ أصبح مصطلح “تحرير الأسعار” أشبه بحبل يلتف ببطء حول رقبة المواطن ليخنقه بغلاء سلع تحولت إلى لعبة بأيدي التجار والمحتكرين حين خرجوا من حالة المنافسة إلى حالة التوافق، وتوحيد الأسعار بصورة لا تنطبق إطلاقاً مع قيمة هذه البضائع الحقيقية، وأصبح المواطن الخاسر الأكبر من هذا الطرح الذي يحتاج فيما يبدو إلى إعادة النظر مجدداً في جدواه الاقتصادية، أو الاتجاه لأسواق المستعمل، والتعثر بمطبات أخرى، في ظل أسعار جنونية خارجة عن كل الحدود المنطقية في مختلف البضائع، وأزمة طويلة جعلت أعين الرقيب تغفل وتغض الطرف عن الكثير من التجاوزات التي يتذرع تجارها بمقولات: “بضاعة محررة”، و”الكفالة تجريبية فقط”، و”العطل سوء استخدام”!.
محمد محمود