“من سمات اللغة العربية ولطائفها”.. جديد د. محمود السيد
ارتأى د. محمود السيد أن يفاجئ محبيه بكتيب صغير”من سمات اللغة العربية ولطائفها” الصادر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب، لايتجاوز سبعين صفحة، إلا أنه رحلة غوص ببحر اللغة العربية وصولاً إلى اللآلئ والمرجان، فوضع القارئ إزاء ألغاز يبحث عن حلّها، وإزاء تدريبات لغوية يطبقها، من خلال عرض الكثير من غرائب اللغة العربية وأسرارها ومكنوناتها التي خبرها د. السيد، وتمكّن منها بل توحد فيها، والأجمل كانت نثرات شذا عطر ورود أجمل أبيات الغزل التي يحفظها ودوّنها ووظّفها في مواضع من صفحات الكتيب، فتناول خاصية لطائف اللغة العربية، ومنها البراعة بالصوغ والإخراج تتجلى في جمل تقرأ من اليمين واليسار مثل:
“سرْ فلا كبابك الفرس، دام علا العماد” وبعض أبيات الشعر تقرأ من الجهتين من اليمين إلى اليسار، ومن اليسار إلى اليمين، مثل:
مودته تدوم لكل هول
وهل كل مودته تدوم
وتوجد جمل تقرأ من اليمين بمعنى، ومن اليسار بمعنى آخر، والأغرب في اللغة العربية أبيات إذا قُرئت من اليمين كانت مدحاً، وإذا قُرئت من اليسار صارت ذماً، مثل شعر إسماعيل بن أبي بكر المقري:
طلبوا الذي نالوا فما حرموا
رفعت فما حطت لهم رتب
ومن اليسار إلى اليمين تصبح ذماً
رتب لهم حطت فما رفعت
حرموا فما نالوا الذي طلبوا
لعبة الأشطر الأفقية
وتعمق د. السيد في أسرار لطائف اللغة العربية لنصل إلى قصيدة في المدح قيلت في ( نوفل بن دارم)
إذا أتيت نوفل بن دارم أمير مخزوم وسيف هاشم
لكن قراءة الشطر الأول من كل بيت تصبح القصيدة هجاء لاذعاً كما في
إذا أتيت نوفل بن دارم “من البيت الأول” وجدته أظلم كل ظالم “من البيت الثاني”، وأبخل الأعراب والأعاجم “من البيت الثالث”.
وهناك أبيات في المدح والثناء إذا قرأتها بالمقلوب كلمة كلمة فستكون أبياتاً في الهجاء موزونة ومقفاة ففي المدح مثلا:
حلموا فما ساءَت لهم شيم
سمحوا فما شحت لهم منن
وحينما تقلب تصبح هجاء
منن لهم شحت فما سمحوا
شيم لهم ساءت فما حلموا
ومن غرائب اللطائف كما أورد د. السيد أنه يوجد بيت من الشعر لا يتحرك اللسان في قراءته:
آب همي وهمّ بي أحبابي همهم ما بهم وهمي ما بي
كما توجد أبيات لاتتحرك بقراءتها الشفاه، والأجمل الأبيات الشعرية التي تقرأ أفقياً وعمودياً مثل:
ألوم صديقي وهذا محال
صديقي أحب كلام يقال
وهذا كلام بليغ الجمال
محال يقال الجمال خيال
الأمثال والأبيات
ومن جماليات اللغة العربية ما وجده المؤلف في الأمثال في أنصاف الأبيات كما في قول المتنبي مثل:
قواصد كافور توارك غيره ومن قصد البحر استقل السواقيا
ولم تقتصر لطائف اللغة العربية على الشعر، إذ أورد د. السيد مقتطفات نثرية تدل على عجائب اللغة العربية مما ورد في خطبة الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام إذ لم تكن أية نقطة على أية كلمة من كلماتها، مثل: “الحمد لله الملك المحمود المالك الودود، مصوّر كل مولود، وموئل كل مطرود”.
وأراد د. السيد أن يمتحن قدرة القارئ على فكّ رموز اللغة العربية ومعرفة مضمونها، ومنها:
وآكلة بغير فم وبطن
لها الأشجار والحيوان قوت
إذا أطعمتها انتعشت وعاشت
وإن أسقيتها ماء تموت
والمقصود من هذا اللغز هو النار.
ومن جماليات لطائف اللغة العربية أن في أمثالها على وزن أفعل، وأن ثمة حكماً فيها تبدأ بـ”ربّ” مثل:
ربّ طرف أفصح من لسان.
ومن السمات النادرة التي بحثها المؤلف أن اللغة العربية أحرجت المرأة في خمسة مواضع، منها إذا كان الرجل على قيد الحياة يقال إنه حيّ، وإذا كانت المرأة على قيد الحياة فيقال عنها، إنها حيّة.
الشغف والغزل
ومن أجمل فصول الكتيب أن د. السيد خصّ المرأة بأجمل أبيات الشعر التي كرّمت المرأة ودلت على موضعها بالفؤاد كما قال الشاعر أبو تمام :
أغار عليك يا أسماء مني
ومنك ومن ثيابك والمكان
ولو أني خبأتك في عيوني
إلى يوم القيامة ما كفاني
ومن أجمل أبيات الغزل ما أورده السيد عن الشعراء الأربعة من آل معلوف، وهم (فوزي وشاهين وميشال وشفيق) في المهجر الأمريكي تجاه السيدة إيزابيل معلوف التي وقع من يدها فنجان القهوة وانكسر. فقال شاهين المعلوف:
ثمل الفنجان لّما لامت شفتاه شفتيها واستعر
الصوتيات
وحفل الكتيب بسمات اللغة العربية المتمحورة حول الخصائص الصوتية إذ يتصف المدرج الصوتي في اللغة العربية بالسعة ويمتد من أقصى الحلق إلى الشفتين، وتتوزع عليه حروف اللغة العربية، وساعد على هذا الاتساع الانفراد بحروف لاتوجد في اللغات الأخرى كالضاد والظاء والعين والغين والحاء والطاء والقاف، وسعة المفردات والاشتقاق والإيجاز والدقة في التعبير والإعراب وجمال الخط، وأفرد مساحة لأسماء الأصوات مثل صوت النسر يسمى صفيراً.
ملده شويكاني