الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

جورج جرداق.. إنها ليلتنا جميعاً أيها الشاعر المجيد

 

 

إنها واحدة من المرات النادرة التي تجلس فيها الست “أم كلثوم” على الكرسي لتؤدّي أغنيتها، ويبدو على الست التي تحاول إظهار الكثير من هدوء الأعصاب، وذلك بواسطة حركات التطريب التي كانت تبديها مع حركة الألحان العذبة لرائعة جورج جرداق “هذه ليلتي”، بعض الارتباك، فهي ستغني هذه المرة ما لم يُغنَّ قبل، جورج جرداق (1931-20١4) كتب ما لم يُكتب بعد، ود. محمد عبد الوهاب هو من وضع اللحن، تنهي الموسيقا مقدّمتها الباذخة الدلال، وتأخذ “ثومة” نفساً عميقاً قبل أن تمدّ يدها بمنديلها الحريري المتدلّي منها، وتشرع في الغناء “هذه ليلتي” وما على من يستمع إلا أن يركب بساط الأحلام ويسافر في عوالم سحرية صنعتها أجواء الأغنية.
هذه ليلتي القصيدة الخالدة التي كتبها هذا الرجل، والتي غنّتها أعظم مغنية في الشرق الأوسط، وحفظها معظم من استمع إليها لجمالها وبلاغتها وبراعتها ورشاقتها، التفصيل المهم فيما أبدع جرداق خصوصاً مع القصيدة العربية الكلاسيكية التي توصف بـ”الثقيلة” دليلاً على قوّتها، هذه القصيدة المغنّاة بصوت كوكب الشرق، يغيب اسم شاعرها عن المحافل الإعلامية العربية بشكل غير مفهوم وغير مبرر، حتى إن ذكراه تمرّ بهدوء دون أي تلميح إلى القيمة العظيمة المضافة، التي قدّمها جرداق للشعر العربي وللمجتمع العربي أيضاً الذي نسجت هذه الأغنية أفكارها في وجدانه.
جورج جرداق بمناسبة وبغير مناسبة، سواء حاول العقل الرجعي حجبك من ذاكرة الناس لأسباب مقيتة –لا نريد توصيفها لوضوحها، أو احتفل بك، أنت قامة فنية وأدبية وثقافية وفكرية عربية عظيمة، يحق لنا أن نفاخر بك باقي العصور إن قالوا لنا: فأين شعراؤكم قلنا جميعاً: هذه ليلتي وهذا قمرها المترف الضياء.
أما أصحاب الذهنية الإقصائية الذين يعتقدون أنهم وبمجرد عدم ذكرك يقضى الأمر، فهم لا يعلمون لشديد جهلهم أن اسمك محفور بحروف من نور في سماء الحياة.
تمّام علي بركات