سورية وأرمينيا وقواسم تاريخية مشتركة
حفلت احتفالية السفارة الأرمنية التي أقيمت في دار الأوبرا لمناسبة مرور مئة عام على إقامة جمهورية أرمينيا الأولى بكل ألوان الثقافة التي عكست تراث الأرمن وثقافتهم، وفي الوقت ذاته تغلغلت بالثقافة السورية فأصبحت جزءاً منها، وتنوعت فقراتها بين الغناء والموسيقا والرقص والسينما التوثيقية.
المونتاج لعدة أزمنة
وقد شغل الفيلم التوثيقي”أرمينيا حبيبتي –أرمينيا المتجددة” بتوقيع المخرج باسل الخطيب -إنتاج السفارة الأرمنية- الحيز الأكبر من الفعالية، وبدا مختلفاً عن الأفلام التوثيقية التي تناولت الإبادة الأرمنية أو جوانب منها، من حيث التقنية الإخراجية التي دمجت بين أزمنة عدة من خلال تقنية المونتاج التي شدّت الحاضرين، فمضى السياق التوثيقي للفيلم منذ العهد القديم لتاريخ أرمينيا إلى الصور الأرشيفية لمرحلة الإبادة الأرمنية ليتوقف عند الحدث الأساسي بتأسيس جمهورية أرمينيا الأولى عام 1918 مركزاً على الصور الأرشيفية بالأبيض والأسود لمجريات الأحداث، ومن ثم يعود الخطيب إلى يريفان الآن التي تتمتع بازدهار بكل المجالات، ليبقى مشهد النصب التذكاري لشهداء الأرمن بالذكرى المئوية للإبادة هو الأكثر تأثيراً ووقعاً بالذات، كما اعتمد المخرج على تقنية التضمين ضمن الفيلم بمشاهد عن الكنيسة والسيد المسيح وطبيعة أرمينيا وجغرافيتها بتمرير الكاميرا على مساحات منها. ليصل الفيلم إلى مقولته”بأن الأرمني يجثو إجلالاً لترابه، وليس أمام من يحتل أرضه، ينحني للبيرق المطعون، ولذكرى الشهداء”.
تدويل القضية الأرمنية
بُني التعليق السردي الممتزج بالموسيقا المعبّرة على المادة التاريخية المدوّنة بالبروشور بتوقيع السفارة الأرمنية، لاسيما أن السفير الأرمني د. أرشاك بولاديان بروفيسور بعلوم التاريخ، فبدأ الفيلم من حضارة أرمينيا عبْر التاريخ، التي كانت أول دولة في العالم تعلن المسيحية ديناً رسمياً في عام 301م، إلى اختراع الأبجدية الأرمنية عام 405م، وتطرق الفيلم إلى دور أرمينيا في حركة النهضة في أوروبا الغربية، إضافة إلى دورها بالتجارة العالمية في العصر القديم بحكم موقعها الجغرافي، وانتقل إلى التاريخ الحديث فركز على المراحل التاريخية لتدويل القضية الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بإبعاد الشعب الأرمني عن أرضه في أرمينيا قتلاً وتهجيراً، إلى مشاهد ما وُصف بقوافل الموت وقتل مليون ونصف مليون أرمني. والمحور الأساسي بالفيلم كان لمرحلة تأسيس جمهورية أرمينيا الأولى بعد الإبادة عام 1918-1920مركزاً على صور الاتفاقيات والمعاهدات من خلال التسلسل التاريخي لنضال الأرمن، منها معاهدة”سيفر” وصولاً إلى 21أيلول عام 1991 وحصول أرمينيا على استقلالها التام.
أكابيلا وإيقاعات بشرية
كوميداس الذي أحسّ بالخطر فعمل على جمع تراث أمته كان حاضراً بروحه عبر أغنياته التي غناها كورال الحجرة التابع للمعهد العالي للموسيقا بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان، أغنيات ارتبطت بنصر أرمينيا وبثقافتها وتراثها، وفق تقنية تعدد الأصوات(سوبرانو –آلتو- تينور- باص) حيناً بمرافقة البيانو للعازف فادي جبيلي ووفق تقنية أكابييلا دون مرافقة لحنية معتمدين على إيقاعات وتدرجات الأصوات البشرية لتأخذ دور الموسيقا، فبدؤوا بأغنية شعبية”إباران” وهي مدينة في أرمينيا تخللتها إيقاعات صوتية “برم برمبا” وجمل لحنية صوتية. لينتقل الكورال إلى مشهد غنائي آخر بصوت السوبرانو والتينور بأغنية حوارية لكوميداس اسمها هابريان مع مرافقة البيانو، ليغنوا بالأصوات الأربعة بلا مرافقة آلية لكوميداس أيضاً أغنية”جاء المطر”، واختتم الكورال المشهد الغنائي بالأغنية التي تعبّر عن إرادة الشعب الأرمني ونصره وتبقى رمزاً له”يريفان-إيريبوني” هوفانيسيان وبتوزيع الخبير فيكتور بابينكو.
وتميزت الرقصات التي قدمتها فرقة ميغري بإشراف آزاد سفريان بروح حماسية وبحركات سريعة جداً مستمدة من خصوصية الرقص الأرمني الذي يعتمد على حركة الأقدام ورؤوس الأصابع في جانب منه، فمنذ اللحظات الأولى التي أطلت فيها الفتيات بالزي الأرمني التقليدي الأرجواني تغيّر مسار الأمسية بالموسيقا المفعمة بالحبّ والأمل والتفاؤل، وبالحركات الحيوية للراقصات وبتفاعل الجمهور الأرمني والعربي برقصة أفاراير التي ارتبطت بمدينة بأرمينيا شهدت معارك بين الأرمن والفرس دفاعاً عن المسيحية وانتصر فيها الأرمن بعد ثلاث سنوات، لتعبّر هذه الرقصة عن نصر الأرمن في العهد القديم، تبعتها رقصة “صاصون” المعبّرة عن الحرب بين الأرمن والأتراك وتعكس الحفاظ على الهوية والوجود، وبدت فيها الروح المقاومة وانعكست على موسيقاها وحركاتها السريعة، إلا إن الرقصة التي أثرت بالحاضرين وألهبت مشاعرهم كانت رقصة اختتام الفعالية رقصة العلم، التي باحت بفرح الانتصار من خلال علم أرمينيا الأزرق والأرجواني والأحمر وباستقلال أرمينيا وتمتعها بحريتها وحفاظها على لغتها وتاريخها وهويتها.
ملده شويكاني