ما بعد نقل السفارة
إن تاريخ نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ليس كما قبله، ولاشك أنه سيغيّر مجرى الصراع الوجودي مع الكيان الصهيوني، لكن إذا انشغل الفلسطينيون بنداءات الشجب والإدانة وكيل اللعنات، سوف تكون الغلبة لـ “إسرائيل” بتحويل الأنظار إلى مسألة ثانوية في قضية الاحتلال، تدخل الجميع في جدل من وافق على النقل، ومن رفض، وأية دولة لا يزال موقفها محايداً!.
هذا الإشغال في التفاصيل الثانوية هو أحد أهم الأساليب التي يستخدمها الكيان الصهيوني بهدف حرف المسار الفلسطيني عن بوصلته الأساسية، وهي الأرض والحدود واللاجئين والاستيطان، لهذا من الضروري أن تتحول الأيام التي تلت نقل السفارة إلى محفز آخر لمواجهة آلة الاحتلال، والتصدي للصفقة الأميركية، وتكون درساً موجعاً لـ “إسرائيل” ينطلق من توظيف التعاطف الدولي الواضح مع قضيتهم، الذي يمكن أن يفتر، كما فترت مواقف حازمة من قبل.
مع تاريخ نقل السفارة الأمريكية ارتفع الحراك الشعبي إلى ذروته بعد تمهيد على مدى أسابيع بتنظيم مسيرات العودة التي لم يشارك فيها الفلسطينيون فقط، إنما أيضاً أميركيون وكنديون ونشطاء من جميع أنحاء العالم، عبّروا جميعهم عن غضبهم إزاء هذه الخطوة من جانب الولايات المتحدة، وهذا الأمر بحد ذاته سيخلق بكل تأكيد مزيداً من التوتر في المنطقة، وربما يصل الأمر إلى مواجهة خطيرة حتى في القدس نفسها، لأن القدس كعاصمة لفلسطين المحتلة، ومكانتها التاريخية في المنطقة والوجدان العربي تعتبر بحد ذاتها تحدياً للكيان المحتل، إذ أن نصف السكان في المدينة هم من العرب بعد تهجير الآلاف من سكانها على مدى 70 عاماً، ما يعني أنها ليست مدينة يهودية، كما يدّعي الكيان الصهيوني.
صحيح أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يطلق فعلياً أيدي سلطات الاحتلال الإسرائيلي، لكن لن يكون الاحتلال سعيداً في قادم الأيام. وربما يدرك رجال الدين الذين ينتظرون عودة المسيح- وهم أنفسهم الذين يقودون سياسة ترامب- أنهم يقودون “إسرائيل” بعيداً عن الأمن، وهذه عقلية خطيرة، خاصةً أن اليمين المتطرف في الكيان الإسرائيلي، ومعظم وزراء الحكومة الحاليين، يغذون فكرة أن “إسرائيل” تستطيع إنهاء الطموحات الوطنية للفلسطينيين من خلال قوتها العسكرية المتفوقة، و السؤال هنا هو ماذا سيحدث لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس الشرقية؟ هل سيتم اقتيادهم جميعهم إلى جيوب، وحرمانهم من حقوقهم الإنسانية، وهل ستصادر أراضيهم؟.
عندما أخذت أمريكا القدس من طاولة المفاوضات بشكل إفرادي من دون الالتزام بالقوانين الدولية، بات المطلب الوحيد المتبقي بالنسبة إلى الفلسطينيين في هذا الواقع هو حق العودة، وهذه القضية الآن على لسان كل فلسطيني.
علي اليوسف