خيبات الآمال تتوالى من صندوق التخفيف من آثار الكوارث! مزارعـــو السويــــداء يطالبــــون بإجراءات أكثــــر تجاوبــــاً مع خسائرهـــــم
موجات كثيفة من البرد ترافقت مع زخات المطر الشديد والمتواصل استفاق عليها المزارعون، واستمرت لفترات طويلة ومتقطعة، في ظاهرة غير مسبوقة لم تسجل منذ سنوات أدت إلى تخريب شبه كامل لمحاصيل زراعية، أهمها التفاح والعنب التي تعرّضت ثمارها لضرر ميكانيكي يؤثر على نموها وتسويقها لاحقاً.
ويبدو أن صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية الذي جاء ليبدد مخاوف الفلاحين حيال الأخطار التي قد تهدد محاصيلهم كالجفاف، أو الكوارث الطبيعية الأخرى، بات محط أنظار الفلاحين وآمالهم، وإن كان لم يستطع في امتحانات سابقة له تقديم ضمانات حقيقية، وإثبات جدية الإجراءات الحكومية في حماية إنتاج الفلاح ومساعدته، سواء بتقديم أدوات الإنتاج، أو عبر تسويقه، حيث أتت تجربة صندوق التخفيف لتزيد الطين بلة، فالبعض اعتبره إجراء قاصراً، وآخرون اعتبروا المبالغ المقدمة لا تعوض من الجمل سوى أذنه، والعيون ترنو إلى واضعي القرارات التنفيذية للمراسيم التشريعية علّهم يحافظون على جوهر المرسوم ووجهته الصحيحة بعد أن سارت معظم القوانين والقرارات باتجاهات أقل ما يمكن وصفها بأنها منحرفة عن مسارها المطلوب، أو البحث عن إجراءات جديدة تحمي المزارعين من الانحدار إلى أسفل خطوط الفقر التي يترنحون عليها!.
يستحقون الدعم
خلال جولة قامت بها «البعث» على بعض الحقول في ظهر الجبل، وقنوات، ومفعلة، رصدت ما قامت به الطبيعة بحق أغصان العنب والتفاح اليانعة، فالثمار متساقطة على الأرض، وما تبقى منها شوّهته الكدمات والضربات البردية، ولا أمل يرجى منه، خاصة أن مخاوف الفلاحين تقول بأن التجار سوف يستثمرون ذلك لشراء ما تبقى من المحصول بأبخس الأثمان.
وقال المزارعون: إن تعب أشهر متواصلة مضت ضاع أدراج الرياح خلال ساعات، وبدت علامات الحزن واضحة على الكثير من الأهالي الذين يعتمدون على الزراعة بشكل أساسي ووحيد في معيشتهم، آملين التعويض من الدولة بشيء يخفف من الخسائر التي تترتب، بدءاً من إعداد الأرض للحراثة، والسماد للرش، وغيرهما من الأعمال المجهدة التي يتشارك فيها كل أفراد الأسرة.
يقول المزارع نبيل عز الدين: إن نسبة الأضرار عنده وصلت إلى 100% كثمار وإنتاج، وخسارته لثلاث سنوات، حيث كانت الأشجار كالورود المتفتحة، فجاء البرد ليقضي على كل شيء، وبيّن عز الدين أن الإنتاج الوسطي لشجرة التفاح حوالي 200 كيلوغرام، وحالياً كل التفاح الموجود هو تفاح متضرر، مشيراً إلى أن التعويض الذي سيتم منحه للفلاحين لا يسد جزءاً بسيطاً من خسائرهم، مطالباً المعنيين الأخذ بعين الاعتبار أن تراب هذه البساتين مجبول بعرق الفلاح، وطالب أن يأخذ الصندوق من اسمه عنواناً، ويشمل الأضرار كافة الناجمة عن الجفاف والكوارث الطبيعية، مبيّناً أنه رغم عدم وجود جدوى اقتصادية للفلاح، إلا أنه مستمر بعمليات الرش والمكافحة والفلاحة حتى يضمن بقاء الشجرة حية، وهذا يحمّله أعباء مادية إضافية دون أي مردود مادي منتظر.
غير منظّم
ممدوح، مزارع آخر من قرية مفعلة، تعرّض كامل إنتاجه من التفاح واللوزيات والعنب لضرر يتراوح بين 70-100%، طبعاً هو غير منظّم زراعياً، وبالتالي لا يستفيد من تعويض الصندوق وفق التعليمات النافذة، وحتى لو استفاد فهو غير مقتنع ببعض الليرات التي سيتم تعويضها مقابل ملايين الليرات التي سيخسرها على حد قوله، وطالب بإجراءات جديدة، أهمها تسويق المنتج الذي تعرّض ما تبقى منه لتشويه كامل، وبالتالي سيتعرّض الفلاح للابتزاز مرتين: القوانين التي حرمته التعويض العادل، والتاجر المتربص لمثل هذا النوع من الكوارث لاستغلالها.
من الجمل أذنه
رئيس جمعية مفعلة فضل الله الدعيبس بيّن أنه منذ ذلك التاريخ وفلاحنا يراوح مكانه، ويقاوم الفقر والعوز علّه يعوّض خسائره الماضية، ولكنه هذا العام أصيب بالكارثة، فسيطرت عليه حالة من اليأس، فالكارثة شملت مساحات واسعة، وأوقعت أضراراً كبيرة، مطالباً المسؤولين بالتعويض بحجم الضرر الحاصل، وعدم الالتزام بآليات العمل بالصندوق، فهي آليات لا تلبي الطموح، ولا تحقق النتائج المرجوة.
وأضاف الدعيبس بأن الفلاح الذي يحمل البندقية ليلاً لحماية أرضه، ويعمل في حقله نهاراً، يجب مساعدته بشكل استثنائي، بغض النظر عن القوانين الناظمة للعمل، فالقوانين يجب أن تكون لخدمة الفلاح وليس ضده، وعندما تكون كذلك تكون هناك أياد وجهتها بالاتجاه الخاطئ، وهنا يجب علينا أن نعمل بجوهر القانون، وهو مساعدة الفلاح، أما آليات العمل فمن وضع قانوناً يستطيع تغييره بشكل يلبي الطموح، ويردم تلك الفجوة بين المراسيم وتعليماتها التنفيذية، والفلاحين وقيادتهم.
تعويضات وقوانين
رئيس اتحاد الفلاحين إحسان جنود بيّن أن التعويضات محكومة بقوانين وقرارات صندوق التخفيف من آثار الكوارث والجفاف، وهي قرارات جائرة بحق الفلاح، حيث لا يتجاوز التعويض 10% من تكاليف الإنتاج في حال كان الضرر 100%، وعلى المتضرر أن يكون منظّماً زراعياً، أو أجرى كشفاً حسياً قبل وقوع الكارثة، وهذا يحرم الكثير من الفلاحين من الاستفادة من التعويض، وبالتالي طالبت اللجنة الزراعية في اجتماعها مؤخراً برفع كافة أسماء الفلاحين، بغض النظر عن التنظيم الزراعي، والمشكلة الأهم هي الجفاف، إذ لم تعترف به الزراعة التي أشارت إلى أن نسبة الهطول هذا العام زادت عن 50%، إلا أن هذه الأمطار لم تكن بمواعيد طور نمو القمح والشعير، حيث شهد شهر نيسان، وهي فترة النمو، انحباساً للأمطار، وهذا انعكس سلباً على واقع المحاصيل الحقلية، أما الأمطار الأخيرة التي جاءت غزيرة فأتلفت جزءاً من المحاصيل التي كان معوّلاً عليها، أما باقي الإنتاج فلم يكن بالمستوى المطلوب. وبيّن جنود أن التعويضات لا تفي بالغرض، ولا تعطي من الجمل سوى أذنه، ومطلب الفلاحين الأساسي هو أن يكون التعويض على قيمة الإنتاج وليس تكلفته، فالظروف الاقتصادية للفلاح، وحالة غلاء الأسعار الفاحش، وارتفاع تكاليف الإنتاج، خاصة في مجال المكافحة والحراثة، حمّلته أعباء مالية كبيرة، مؤكداً أن الحل يجب أن يكون بدفع قيمة المنتج في الأسواق وليس التكاليف، وكذلك إعادة النظر باللائحة السعرية، مع الأخذ بعين الاعتبار غلاء الأسعار الفاحش. إذاً المهم بالنسبة لاتحاد الفلاحين اعتبار أن المحاصيل الحقلية في السويداء تعرّضت لحالة جفاف، وإدراج أسماء كافة المزارعين، بغض النظر عن التنظيم الزراعي، والأهم هو إعادة النظر بالنظام الداخلي للصندوق، وجعله أكثر عدالة للفلاحين.
لائحة سعرية
فطين جمول من فرع الصندوق في السويداء أشار إلى أن صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية مهمته التعويض على المتضررين جراء تلك القضايا، مبيّناً أن الكارثة تحصل دون وجود أية قدرة لتفاديها أو منعها مثل السيول والبرد، حيث يتولى الصندوق التعويض على المتضررين جراء الأضرار التي تصيبهم، وينجم عنها خسائر، ويتم التعويض حسب اللائحة السعرية في وزارة الزراعة بعد الكشف الحسي الذي تقوم به لجان متخصصة قبل زوال الضرر في مدة أقصاها أسبوع، وقال جمول إن موارد الصندوق تأتي من تبرّع اتحاد الفلاحين لمرة واحدة بـ 25 مليون ليرة، إضافة إلى اقتطاع نسبة 5% من تسويق المحاصيل الاستراتيجية مثل: القطن، والقمح، والشوندر السكري، وكذلك مساهمة صندوق دعم الإنتاج الزراعي بنسبة 1%، وهناك نسبة 1% تخصص من المبالغ المحصّلة من مخالفات الخطط الزراعية، وغرامات مخالفات التعديات على أملاك الدولة، ومعاملات تراخيص المنشآت الزراعية، إضافة إلى موارد أخرى مثل 5 بالألف من قيمة المنتجات الزراعية المصدرة والمستوردة، و3% من قيمة الأعلاف الموزعة على الثروة الحيوانية، والهبات، والتبرعات، والفوائد المصرفية، وودائع الصندوق.
مبالغ زهيدة
وبيّنت المهندسة علا النداف من مركز البحوث الزراعية أن نسبة الضرر في مناطق قنوات، والروم، والبصة، وعين العرب تتراوح بين 90-100%، طبعاً لا يوجد مقياس دقيق لعملية الضرر، فالأمطار كانت رعدية غير منتظمة، وبالتالي اختلفت نسبة الضرر حسب طبيعة الأرض، وحجم العقد، مبيّنة أن الضرر الذي أصاب الثمار هو ضرر ميكانيكي جراء صدمة حبات البرد بالثمار، وبالتالي اختلف الضرر حسب حجم العقد، وهناك أيضاً تساقط كبير لأوراق الأشجار، وتأثير على التشكيلات الثمرية، مشيرة إلى أن الثمار حتى لو استمرت ستصبح مشوّهة وقابلة للسقوط وعرضة للإصابة، وبالتالي تفقد الثمرة قيمتها التسويقية.
خسائر فلاحية
بدوره بيّن المراقب الزراعي علاء زين الدين أن الفلاح أنجز كافة العمليات المطلوبة منه من تقليم، وحراثة، وعزق، وعمالة، وبدأ بعمليات المكافحة، وهذه العمليات تكلّف الفلاح نحو 40 ألف ليرة سورية للدونم الواحد، وبعد الضرر الكبير الذي لحق بالإنتاج فإن هذه المبالغ المدفوعة تعتبر خسائر، ويوافقه الرأي رئيس الوحدة الإرشادية في منطقة ظهر الجبل الذي بيّن أن مساحة المنطقة نحو 54 ألف دونم، وتكلفة إنتاج الدونم الواحد نحو 40 ألف ليرة، وبالتالي تكاليف الإنتاج تزيد عن 2 مليار ليرة سورية.
الكشف الحسي
وبيّن مدير الزراعة في السويداء المهندس أيهم حامد بأنه تم تشكيل لجان لإجراء الكشف الحسي على الأضرار وتقديرها، وبالتالي تحديد التعويضات اللازمة بناء على الضرر الحاصل وفق تعليمات الصندوق، حيث يتم تعويض 5% من تكاليف الإنتاج إذا كانت نسبة الضرر من 50- 69%، وتعويض 7% إذا كان الضرر من 70- 89%، وتعويض 10% إذا كان الضرر من 90-100%، وبيّن حامد أن فكرة الصندوق فكرة جيدة يجب دعمها وتطويرها من خلال مشاركة كافة الجهات المعنية فيه، وزيادة الميزانيات المخصصة له من قبل الحكومة حتى يتم دفع التعويضات المناسبة للفلاحين الذين يلحق بهم الضرر.
خيبة أمل
التقديرات الأولية لإنتاج المحافظة من التفاح هذا العام تصل إلى نحو 80 ألف طن، وتعادل مالياً نحو 15 مليار ليرة، أما تكاليف إنتاجها فتصل لنحو 2 مليار ليرة سورية، فتعويض نسبة 10% كحد أعظمي من تكاليف الإنتاج يعني منح الفلاحين من أذن الجمل جزءاً منها، وبالتالي فإن التعويض المقدم لا يسد أي رمق ولا يسمن من جوع، ولهذا وجدنا خيبة أمل كبيرة رافقت أصوات الفلاحين التي علت علّ أحدهم يسمعهم بعد أن صدمتهم تعليمات وبنود ومواد في آليات عمل الصندوق تحرمهم الكثير من حقوقهم، وهنا نلفت انتباه من يضع اللوائح التنفيذية، ويصدر القرارات إلى أن التفاح والعنب هو مصدر الدخل الوحيد للفلاحين المتضررين، وهناك أسر كثيرة ستدخل تصنيف تحت خط الفقر بعد الكارثة التي حلت بهم ، فماذا ستنفع بضعة آلاف من الليرات التي تشكّل قيمة التعويض عن خسائرهم الكبيرة، ولذلك هناك ضرورة لإعادة النظر بالتعليمات والقرارات علّها تأتي منصفة للفلاحين حتى ولو جارت على تلك الصناديق التي وضعت من أجلهم أصلاً؟!.
وإذا كانت تعليمات وقرارات الصندوق جامدة صلبة تحت مبرر عدم توفر الموارد الكافية للتعويض، نجد من المهم البحث عن زوايا أخرى للتعويض، ومنها منح التعويضات التي ستقدم للفلاحين إلى السورية للتجارة، على أن تتكفّل الأخيرة بكامل الإنتاج، وبالسعر المجزي للمادة، بغض النظر عن التشوّهات التي أصابت المنتج.
رفعت الديك