عقدة الرقم “1”!
الرصد الدقيق لمتوالية القرارات الصادرة ضمن منظومة الرؤى التطويرية للأداء الوظيفي يتيح لنا الحديث وبصراحة تامة عن واقع العمل المؤسساتي الذي لا يزال يعاني من الاضطراب الفكري من حيث النهج وآليات العمل، فمن المؤسف القول إننا حتى هذه اللحظة وبالرغم من كل ما جرى ويجري داخل حياة المواطن لم نشهد فكراً جديداً يعتلي تلك الكراسي المسؤولة (مع الحرص على عدم التعميم)، فمازالت إدارة العمل ضمن دائرة عدم الفاعلية وبات تراجع الواقع الإداري المؤسساتي أكثر حضوراً والتصاقاً بيوميات العمل الوظيفي، حيث نرى من خلالها سيناريو التخلي عن الكفاءات والخبرات أن الأمور تزداد تعقيداً و المشكلات والتحديات تتفاقم، فهناك انكسارات بالجملة في تلك النواظم القانونية للبيئة الوظيفية، وهذا ما أثر على الأداء الوظيفي الذي تباغته بين الفينة والأخرى قرارات وخطوات أقل ما يمكن القول فيها أنها خلبية وساقطة في هاوية التنظير بأوراقها وملفاتها المتراكمة في أدراج الروتين.
وما يؤلم أنه في الوقت الذي تتكاثف فيه الجهود لإنجاح الحياة الوظيفية في الكثير من المفاصل ومواقع العمل داخل المؤسسات، تتزايد الحقائق والشواهد الحاضرة في كل المؤسسات التي تثبت حقيقة عدم إحداث تغييرات جوهرية في نهج العمل المؤسساتي، فالعقلية التي تحكمها تعاني من عقدة الرقم “1” التي تخضع العمل لمعايير شخصية (أنا أو لا أحد) بعيدة كل البعد عن الموضوعية المطلوبة للإقلاع بالواقع الوظيفي.
وما يثير القلق ذاك الحراك أو المحاولات الهادفة لشل أي مبادرة، وإفشال الإجراءات الساعية إلى استثمار الطاقات والإمكانات الموجودة في مؤسساتنا، وهذا ما ينبئ بفشل ذريع في تحديد الأولويات وتجاوز خط البداية في برنامج النهوض بالعمل الوظيفي وتطويره نتيجة وجود إدارات تمتاز بضعف تجربتها وقدرتها على قراءة الواقع، وتحديد مكامن القوة والضعف ووضع الأمور في سياقها الطبيعي وصولاً إلى الواقع الإداري المطلوب في هذه المرحلة الدقيقة والمصيرية.
وبصراحة آن الأوان لإنهاء مرحلة الحديث عن الإهمال والتقصير والتنقيب عن الإيجابيات في عمل الدوائر العامة ووضع المزيد من اليافطات الدالة على غياب الإدارات ذات الكفاءة والقادرة على العمل الاستثنائي.. ويجب البدء بمشروع فعلي للمحاسبة وإسقاط الفكر النفعي الوظيفي غير المجدي والعاجز عن إزاحة تداعيات الواقع المأزوم من حياة المواطن، أو حتى تضميد ذلك النزيف الوظيفي المتصاعد.
فهل تتخذ خطوات فعلية على خط تطوير العمل أم هل يبقى الدوران في الحلقات المفرغة سيد الموقف؟!
بشير فرزان