سورية: المعايير المزدوجة تعرّض النظــام العالمي لمخاطـر حقيقيـة
أكد السفير حسام الدين آلا المندوب الدائم لسورية لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف أن العدوان الثلاثي الذي نفذته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في نيسان الماضي، أكد بما لا يحتمل التأويل استهتار هذه الدول بالقانون الدولي، وإيمانهم بمنطق القوة الأحادية في ممارسة العلاقات الدولية، موضحاً أن الإصرار لاعتبارات سياسية على رفض التعامل في هذا المؤتمر مع مخاطر امتلاك واستخدام الإرهابيين لأسلحة كيميائية يشير إلى استمرار بعض الأعضاء في التعامل بانتقائية، وبمعايير مزدوجة مع قضايا بالغة الخطورة، وبشكل يعرض النظام العالمي لمكافحة استخدام الأسلحة الكيميائية، والبيئة الأمنية الدولية لمخاطر حقيقية.
وقال السفير آلا في كلمة له أمام مؤتمر نزع السلاح المنعقد في جنيف: إن العدوان الثلاثي الذي تعرضت له سورية فجر السبت الـ 14 من نيسان الماضي، واستهدف العاصمة دمشق ومدناً ومناطق سورية أخرى، جاء من دول تشغل مقاعد دائمة العضوية في مجلس الأمن المناط به المسؤولية الأساسية عن حفظ السلم والأمن الدوليين، وعن منع وقمع أعمال العدوان وفقاً لمبادئ وأهداف الميثاق.
وأوضح أن هذا العدوان الواضح والجلي على دولة ذات سيادة شكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، ولم يؤد إلا إلى تأجيج التوترات في المنطقة، وتزايد القلق في العالم إزاء العودة لاستخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية بطريقة تنتهك قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة الذي تتحمل هذه الدول مسؤولية خاصة عن صيانته والدفاع عنه.
وأضاف السفير آلا: إنه كان من المثير للاستنكار أن يحاول السفير البريطاني والمندوب الفرنسي استخدام منبر هذا المؤتمر الأسبوع الماضي لتسويق العدوان وتبريره بأنه جاء رداً على ادعاءات استخدام الأسلحة الكيميائية في دوما، وحرصاً على نظام منع الانتشار الدولي، وحرصاً على منظومة الأمن الدولي، لافتاً إلى أنه، وكما توقعنا وحذرنا تكراراً في السابق، تم التذرع بادعاءات استخدام السلاح الكيميائي في دوما، مبرراً للعدوان العسكري على سورية بطريقة تشابه حادثة خان شيخون المزعومة التي اتخذتها الولايات المتحدة ذريعة في حينه للعدوان على الأراضي السورية، وهذا النمط من السلوك وإطلاق الاتهامات والأكاذيب يتكرر كلما سجلت القوات المسلحة السورية انتصارات على المجموعات الإرهابية، وحررت المزيد من الأراضي من سيطرة الإرهابيين.
وتابع السفير آلا: لقد استمعنا الأسبوع الماضي إلى بيانات خلت من أي أدلة، وحاولت مخاطبة العواطف لا العقول، واستشهدت بمقاطع الفيديو التي فبركتها منظمة “الخوذ البيضاء” حول حادثة دوما المزعومة، وتجاهلت الشهادات التي أدلى بها بتاريخ 26 نيسان الماضي في مقر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي العديد من الأشخاص الذين ظهروا في تلك المسرحية المفبركة، والذين نفوا بشكل قاطع خلال الإحاطة صحة الادعاءات باستخدام أية مواد كيميائية سامة في دوما في ذلك اليوم.
وأشار السفير آلا إلى أن مسارعة دول العدوان إلى توجيه الاتهام إلى السلطات السورية بالمسؤولية عن الحادثة المزعومة في دوما فور إصدار منظمة “الخوذ البيضاء” لتقاريرها الملفقة حول الحادثة، وتوقيت شن العدوان الذي استبق وصول بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للتحقق من الادعاءات المتصلة بحادثة دوما، وآخر بدء عملها يؤكد أن هذه الدول شريكة في التخطيط لهذه الحادثة المفتعلة، وفي تنفيذها، وفي خداع المجتمع الدولي لتبرير العدوان المبيت على سورية، ولفت إلى أنه وخلافاً لمحاولات هذه الدول الإيحاء بأن اتهاماتها للسلطات السورية بالمسؤولية عن هذه الحادثة هي أمر لا يقبل الجدل وفق تقاريرها الاستخباراتية، فإن أي تحليل منطقي يؤكد سخافة توجيه الاتهام باستخدام أسلحة كيميائية في الوقت الذي كانت فيه معركة دوما قد انتهت، وتم اتخاذ الترتيبات لخروج العناصر الإرهابية وعائلاتهم منها، ويشير إلى أن الدول المذكورة غير مهتمة بإجراء تحقيقات مهنية وموضوعية في حالات الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية، أو في وضع حد للاستفزازات التي تمارسها المجموعات الإرهابية والمنظمات غير الحكومية المرتبطة بها مثل منظمة “الخوذ البيضاء”، وقال: إن هذه الدول زعمت بأن ما سمته العمل العسكري ضد سورية الذي هو في واقع الأمر عدوان موصوف بموجب القانون الدولي، وانتهاك لميثاق الأمم المتحدة، جاء للرد على خروقات للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن، وتجاهلت أن هذا العدوان الأحادي تم دون تخويل من مجلس الأمن الذي تحاول أن تتحدث بالنيابة عنه.
وجدد السفير آلا التأكيد على أن سورية أدانت بشكل مستمر استخدام الأسلحة الكيميائية من أي نوع كان، وفي أي مكان أو زمان، وتحت أي ظروف، وأكدت عدم امتلاكها أي أسلحة كيميائية، وبالتالي فإن محاولات تبرير العدوان العسكري على أراضيها بزعم تقويض القدرات الكيميائية السورية، وردعها عن استخدام السلاح الكيميائي مستقبلاً، كما حاولت دول العدوان تسويقه هو مزاعم سخيفة لا أساس لها على أرض الواقع، والدول التي تطلق هذه الاتهامات هي أول من يعلم أن سورية لا تمتلك ترسانة كيميائية منذ تخليها عن البرنامج الكيميائي عام 2013، كما أن الزعم بأن سورية لم تف بتعهداتها بشأن تفكيك ترسانتها الكيميائية يدحضه بيان رئيسة البعثة المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بهذا الشأن في مجلس الأمن بتاريخ 23 حزيران 2014.
وتابع السفير آلا: إن المزاعم بأن المواقع التي استهدفها العدوان الثلاثي كانت ذات صلة ببرامج الأسلحة الكيميائية يمكن دحضها بالإشارة إلى أن أحد المواقع التي استهدفها العدوان ودمرها بذريعة كونها أحد المنشآت ذات الصلة بالأسلحة الكيميائية، كان منشأة علمية وتعليمية تابعة لمركز البحوث العلمية في دمشق، وهذه المنشأة سبق لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن قامت بتفتيشها مرتين العام الماضي، وأكدت في تقاريرها الرسمية عدم وجود أي نشاط فيها يخالف اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، معتبراً أن تحقيق أهداف ومقاصد اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية الرامية إلى إقامة نظام عالمي فعال ضد الأسلحة الكيميائية لا يمر عبر ما نشهده هذه الأيام من خطط ومحاولات لاستغلال الاتفاقية وتفسير أحكامها بطريقة مشوهة لخلق آليات جديدة تسخر في خدمة مصالح ضيقة لحفنة من الدول، كما أن الحفاظ على نظام عدم الانتشار المتفق عليه دولياً لن يتحقق من خلال إنشاء أطر موازية، أو محاولة إعطاء الشرعية لآليات دولية خارج نطاق الأمم المتحدة تقوم بالالتفاف على دور وولاية المنظمات الدولية المختصة، وفي مقدمتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من قبيل اجتماعات باريس لما يسمى الشراكة الدولية، وأوضح أن الإصرار لاعتبارات سياسية على رفض التعامل في هذا المؤتمر مع مخاطر امتلاك واستخدام الإرهابيين لأسلحة كيميائية يشير إلى استمرار بعض الأعضاء في التعامل بانتقائية، وبمعايير مزدوجة مع قضايا بالغة الخطورة، وبشكل يعرّض النظام العالمي لمكافحة استخدام الأسلحة الكيميائية والبيئة الأمنية الدولية لمخاطر حقيقية، مشدداً على أهمية الحفاظ على الحوار الرصين لتحقيق أهداف مؤتمر نزع السلاح، وفي إطار ولايته، وعلى تجنّب استخدام المؤتمر لممارسة الشيطنة، وتشويه الحقائق تعبيراً عن فشل البعض.
وعبّر السفير آلا عن تطلعه لأن تتمكن الرئاسة السورية القادمة للمؤتمر من تقديم إسهام إيجابي إضافي في إنجاح ما يمكن وصفه بالجهد المتناغم، والتعاون البنّاء بين الرئاسات الست للعام الحالي، وهو تعاون أثبت جدواه رغم اختلاف أولويات هذه الدول، ومقارباتها في مؤتمر نزع السلاح.
في غضون ذلك بحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير خارجية النظام التركي مولود جاويش أوغلو العمل المشترك في إطار محادثات أستانا لإيجاد حل للأزمة في سورية، وقالت وزارة الخارجية الروسية: إن الجانبين بحثا في اتصال هاتفي عدداً من القضايا الدولية الراهنة ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك العمل في إطار عملية أستانا لإيجاد حل للأزمة في سورية بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.