في الطريق إلى الصدام مع الولايات المتحدة
ترجمة: علاء العطار
عن “ذا غارديان” 17/5/2018
وضع الاتحاد الأوروبي نفسه على مسار تصادم مع الولايات المتحدة على خلفية قرار دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، في وقت بدأت فيه الشركات الأوروبية الكبرى بالانسحاب من البلاد لتتجنّب التعرض للعقوبات.
وفي محاولة لحماية شركات الاتحاد الأوروبي التي تتعامل مع إيران، قال رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، إنه سينتقل إلى خطة استُخدمت مؤخراً لحماية الشركات العاملة في كوبا قبل أن يتمّ رفع الحظر التجاري الأمريكي على هذا البلد الواقع في أمريكا اللاتينية.
وقال يونكر في ختام قمةٍ عُقدت في العاصمة البلغارية صوفيا سُنفعّل “قانون الحجب”، الذي يهدف إلى إبطال آثار العقوبات الأمريكية التي تتجاوز حدود الاتحاد الأوروبي، وعلينا القيام بذلك، بل سنقوم بذلك غداً “الجمعة” في الساعة العاشرة والنصف صباحاً.
ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى إبقاء إيران في اتفاق 2015 من خلال حماية المنافع الاقتصادية التي كسبتها طهران مقابل التخلي عن برنامجها النووي. و”قانون الحجب” هو قانون صدر عام 1996 يمنع الشركات والمحاكم في الاتحاد الأوروبي من الالتزام بقوانين العقوبات الأجنبية، وينصّ القانون على أن أي حكم صادر عن المحاكم الأجنبية لن يكون له أي تأثير في الاتحاد الأوروبي بالاستناد إلى تعليماته التنفيذية. كما سيؤمن بنك الاستثمار الأوروبي تدفقات مالية للشركات العاملة في إيران.
وقال يونكر: “سيكون أثر العقوبات الأمريكية محسوساً، لكن من واجب الاتحاد الأوروبي حماية الأعمال الأوروبية، وهذا ينطبق على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بشكل خاص”.
وأضاف رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك في اجتماع لزعماء الاتحاد الأوروبي: “اتفقنا بالإجماع على أن الاتحاد الأوروبي سيبقى ملتزماً بالاتفاق مادامت إيران ملتزمة به بالكامل، إضافة إلى أن الهيئة قد أُعطيت الضوء الأخضر لتكون جاهزة للتصرف كلما تأثرت المصالح الأوروبية”.
وقال تاسك، الذي اتهم إدارة ترامب بـ”الحزم المتقلب” في وقت سابق من هذا الأسبوع، للصحفيين: “تكمن المشكلة في أن صديقك المقرّب متقلب المزاج، والأمر ليس دعابة، هذا هو جوهر مشكلتنا الآن مع أصدقائنا على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، يمكنني أن أتفق مع الرئيس ترامب عندما قال إن تقلب المزاج قد يكون أداة مفيدة جداً في السياسة، ولكن ذلك لا ينطبق إلا على الأعداء والخصوم، وتقلب المزاج هو آخر شيء نحتاجه عند التعامل مع الأصدقاء والعائلة”.
لكن رغم الخطاب الدبلوماسي الحازم، فإن فرص نجاة الاتفاق النووي الإيراني من تأثير العقوبات الأمريكية تعرّضت لضربة موجعة، عندما أعلنت مجموعة الشحن الدانماركية “إيه بي مولر ميرسك” أنها انضمت إلى الشركات الأخرى التي خرجت وأوقفت نشاطها التجاري في إيران.
وصرحت مجموعة ميرسك، وهي أكبر شركة نقل لحاويات النفط، يوم الخميس أنها ستحترم اتفاقيات العملاء المبرمة قبل 8 أيار، لكنها ستُنهي العمل بها بحلول 4 تشرين الثاني، كما هو مقرّر في قانون العقوبات الأمريكية.
جاء هذا الإعلان بعد أن أعلنت شركة النفط الفرنسية “توتال” يوم الأربعاء أنها ستنسحب من حصتها البالغة 50.1٪ في حقل “ساوث بارس 11” النفطي، وقالت “توتال” إنها لن تحتفظ باستثماراتها إلا إذا استثنتها الولايات المتحدة من العقوبات المقررة، ومن المرجح أن يستحوذ شركاؤها في الصين على حصتها من الاستثمار.
وكانت صادرات إيران من النفط قد بلغت مليون برميل يومياً، يُصدّر معظمها إلى آسيا وبعض الدول الأوروبية، قبل أن يتمّ رفع العقوبات، وازداد العدد بعدها ليصل إلى 2.5 مليون برميل يومياً.
وتدير مجموعة ميرسك أكثر من 160 سفينة، ويبلغ عدد موظفيها 3100 شخص في جميع أنحاء العالم، بإجمالي مبيعات بلغ 836 مليون دولار في عام 2016.
وتهدّد سرعة انسحاب الشركات العاملة في إيران بتدمير خطط زعماء الاتحاد الأوروبي لتأمين ضمانات قانونية ومالية تحمي الشركات الأوروبية التي لا تزال تتعامل تجارياً مع إيران.
واعترفت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بأن قدرة الاتحاد الأوروبي على القيام بأعماله كانت محدودة، وقالت: “يمكننا أن نرى ما إذا كان بإمكاننا أن نُخفّف العبء على الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويجري اختبار تلك الإمكانية.. أما بالنسبة لتعويض جميع الشركات بطريقة شاملة عن مثل هذه الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة، فأعتقد أننا لا نستطيع ولا يجب أن نصنع أوهاماً”.
وتعليقاً على قرار توتال، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون: “لن نجبر الشركات الفرنسية على البقاء في إيران، فرئيس الجمهورية الفرنسية ليس المدير التنفيذي لشركة توتال”.
في المقابل حذّرت الحكومة الإيرانية من أن الخروج الجماعي للاستثمار الأوروبي سيجبرها على الانسحاب من الاتفاق النووي الذي يحظر عليها تخصيب اليورانيوم. وكان جوهر الاتفاق الإيراني -الذي وصفه ترامب بالـ “مروع” عند انسحابه منه في وقت سابق من هذا الشهر- هو التزام إيران بالحدّ من برنامجها النووي مقابل زيادة التبادل التجاري مع الغرب.
ويكمن الخطر في أن يتحول الخلاف حول إيران إلى خلاف أوسع بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول التجارة، وستكتسب الأحداث زخماً متزايداً مع بدء الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الشخصيات الإيرانية البارزة.
وفي محاولة لمنع الخلاف من الخروج عن السيطرة، سافر ممثلو الاتحاد الأوروبي السياسيون إلى نيويورك وواشنطن لحث الولايات المتحدة على استثناء شركات الاتحاد الأوروبي من سياسة العقوبات الخاصة بها، كما أنهم نبّهوا الإدارة الأمريكية إلى أنه ستكون للفوضى الاقتصادية التي فُرضت على إيران نتائج عكسية.
وحثّ غونثر أوتينغر، مفوض الميزانية في الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأوروبي على البقاء يداً واحدة، وقال: “بالنسبة لي هناك مسألة واضحة تماماً، وهي أن ترامب يحتقر الضعفاء”.