في انتصار دمشق
لم يكن تطهير دمشق ومحيطها من الإرهاب حدثاً عادياً، أو كغيره من الانتصارات التي حققها الجيش السوري على مدار سنوات الحرب، رغم أهميتها، بل هو إنجاز استراتيجي له منعكساته الكبيرة في الداخل السوري وعلى الساحتين الإقليمية والدولية، حيث طالما عوّل محور الحرب على إسقاط الدولة السورية من خلال جيوش الإرهاب التي زرعها حول العاصمة، وقدّم لها كل الدعم المالي والتسليحي واللوجستي، وراهن عليها لتنفيذ المخطط المرسوم سياسياً وعسكرياً.
ففي الداخل، تم تخليص أكبر تجمع سكاني من قذائف الحقد الجبان والقتل بالمجان وعادت الحياة إلى طبيعتها كمقدمة لإعادة ترميم مئات المنشآت الصناعية في الريف، وهذا يعني تأمين آلاف فرص العمل وعودة دوران عجلة الاقتصاد للتخفيف من العقوبات الظالمة المفروضة على الشعب السوري بالإضافة إلى إعطاء الأمل الكبير بتطهير كل تراب الوطن من رجس الإرهاب وإعلان الانتصار الناجز على التنظيمات التكفيرية وداعميها ومموليها، وبالتالي إنهاء حلم تقسيم سورية وإضعافها.
وعليه لم يكن ترامب ونتنياهو ومعهما أنظمة الخليج يتصوّرون أن الجيش السوري يستطيع إنجاز المهمة بالتكتيك العسكري الدقيق وبالسرعة القياسية التي حصلت إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم التحصين والتجهيز الذي قامت به المجموعات الإرهابية. ذلك جعلهم يسارعون إلى اختلاق بؤر توتر جديدة في الداخل السوري من خلال إرسال قوات فرنسية وزيادة عديد القوات الأمريكية والترويج لإرسال قوات عربية لتكون جسر عبور لإضفاء الشرعية على التدخل العسكري المباشر، كما عملوا على توسيع دائرة الاشتباك عبر هجمة شرسة وغير مسبوقة على إيران تؤشر إلى اندلاع حرب شاملة في حال استمرار صقور البيت الأبيض في خططهم لتكرار سيناريو العراق، ويكفي النظر لشروط وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو للتأكد بأنها كتبت بعناية لتهيئة أجواء الحرب التي يمكن أن تندلع في أي لحظة، خاصة أن طهران لا يمكن أن تقبل بأي حال تلك الإملاءات، بل إنها تسعى لتأمين الضمانات الأوروبية للإبقاء على الاتفاق النووي معها، أضف إلى ذلك أن إيران قد حضّرت جيشها وشعبها للمواجهة الكبرى، وبالتالي فإن نشوب الحرب لن يكون نزهة لأمريكا و”إسرائيل” بل ربما يكون السيناريو العراقي الذي يخططون له معكوساً على المعتدين حيث أن جميع المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ستكون في المرمى، ولهذا وجدنا بومبيو يضع ضمن شروطه الـ 12 بنوداً تترك مجالاً للحوار عبر القناة الأوروبية مع الجمهورية الإسلامية.
ذلك يعني أن الإدارة الأمريكية تضرب مرة على الحافر وأخرى على النافر في إطار مخططها الابتزازي من جهة، وإيهام حلفائها والرأي العام العالمي بأن واشنطن لا تزال على قوتها وقادرة على تنفيذ جميع السيناريوهات في سبيل الإبقاء على الأحادية القطبية من جهة أخرى. تفعل ذلك رغم إدراكها أن الدول المستهدفة ومعها الدول الصاعدة تعلم تماماً أن أمريكا اليوم ليست كما كانت قبل عقود وهي في طور الانحدار والانحسار إلى داخل حدودها حيث أن التصعيد وقرع طبول الحرب لن يكون بأي حال في مصلحتها حيث أن استراتيجية الاستفراد بالدول التي اتبعتها في حروبها السابقة لم تعد مجدية في ضوء المحاور الجديدة التي تحددت معالمها خلال الحرب على سورية.
بالنتيجة أمريكا تتخبط في سياستها فهي لم تستوعب بعد أن العالم تغيّر وأن الأحادية القطبية في طور الأفول وعلى واشنطن إما القبول بحكم الأمر الواقع والقبول بالشراكة مع الدول الكبرى المناهضة لسياساتها وإما الاستمرار في التصعيد ووضع العالم أمام سيناريو لا تحمد عقباه.
عـــمــاد ســالـــم