دراساتصحيفة البعث

كيف عملت السعودية على تدمير الاتفاق النووي

في الوقت الذي كان فيه “عرض” نتنياهو المليء بالأكاذيب حول البرنامج النووي الإيراني يملأ عناوين الأخبار، كان حليف أمريكي آخر، هو المملكة السعودية، يدير عملية ضغط علنية وأكثر هدوءا، ولكن بنفس القدر من الفعالية، نحو تفكيك الاتفاق، مستخدما حجج ترامب نفسها.

بدأت الضغوط السعودية قبل فترة طويلة من الإعلان رسميا، في تموز 2015، عن الاتفاق النووي مع إيران. وكان اللوبي السعودي في واشنطن يعمل من وراء الكواليس لضمان دمج “مخاوف” المملكة في أي اتفاق ستوافق عليه واشنطن مع إيران. وقد كشفت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور” أن الرياض أنفقت 11 مليون دولار على الشركات المسجلة في قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، في العام 2015 وحده، وكان “الكثير من هذا الإنفاق يتعلق بإيران”،  كما حشدت صناع السياسة السابقين لـدفع ترامب للتخلي عن الاتفاق، مقابل رواتب شهرية.

وعلى الرغم من معارضتها القوية لأي اتفاق مع إيران، تمت في نهاية المطاف معالجة الكثير من مخاوف السعودية من قبل “خطة العمل المشتركة الشاملة”، وتحديدا مطالبها بوصول المفتشين إلى المواقع العسكرية وغيرها من المواقع المشبوهة.

ركزت جماعات الضغط السعودية في واشنطن على نقطتين: الأولى أن الأموال التي يحررها الاتفاق من شأنها المساهمة في استمرار دعم إيران لـ “الجماعات الإرهابية”، والثانية أن الاتفاق لن يفعل شيئا لوقف برنامج إيران للصواريخ الباليستية.

وفي حين أن أكثر من 12 من شركات الضغط والعلاقات العامة التي تعمل لصالح السعودية قد سجلت في إطار “فارا” منذ أن وافقت الولايات المتحدة على الاتفاق الإيراني، لم يكن أي منها أكثر قوة في دفع هذه النقاط المناهضة لإيران أكثر من “إم إس إل غروب” (التي حصلت على عقد سعودي طويل الأمد).

قامت مجموعة “إم إس إل غروب” للعلاقات العامة، والتي حصلت على أكثر من 6 ملايين دولار من السعوديين، بتوزيع مجموعة متنوعة من “المواد الإعلامية”، بما في ذلك 5 صفحات إعلانية مكتوبة، حول “العدوان الإيراني في اليمن”، وبيان صحفي حول أن إيران هي “أكبر دولة راعية للإرهاب”، بين العديد من الدول الأخرى.

وبالطبع، لم تكن المجموعة هي الوحيدة في نشر الدعاية المعادية لإيران نيابة عن النظام السعودي، فقد قامت مجموعة “غلوفر بارك”، في آذار 2018، بتوزيع معلومات حول النفوذ الإيراني، ووزعت “هوجان لوفيلز” ما أسمته حقائق عن الحوثيين وإيران، وبالخصوص حول الصواريخ الباليستية الإيرانية.

كان السعوديون رأوا في رحيل أوباما فرصة لدفع الرئيس الجديد لتكثيف رهانه ضد إيران، وقد نجحت جهودهم بشكل كبير عندما قام ترامب بأول زيارة خارجية له إلى السعودية.

أبقى ترامب الدعم العسكري الأمريكي يتدفق للحملة التي تقودها السعودية في اليمن، لكن المملكة كانت لا تزال تريد المزيد، فقد أرادت انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الإيراني. وفي الوقت الذي اتبعت فيه إسرائيل مقاربة صريحة جدا للضغط على ترامب بلغت ذروتها بعرض نتنياهو المضلل، استخدمت السعودية آلة الضغط التي تمولها جيدا لنشر رسالتها في العاصمة الأمريكية. ليجد حديث السعوديين طريقه أخيرا إلى آذان الرئيس، وليأتي تصريحه الذي أعلن فيه التخلي عن الاتفاق مليئا بلغة مشابهة للغة الصحف التي تمولها السعودية.

لكن لماذا يريد السعوديون من الولايات المتحدة التخلي عن الاتفاق الإيراني؟ رجحت “نيويورك تايمز” أن يكون السبب الرئيسي هو الخوف من أن تكون الصفقة خطوة أولى نحو التقارب الأمريكي مع إيران، وهو ما من شأنه أن يقوض سلطة النظام السعودي في المنطقة بشكل عام.

وشدد المسؤول السابق في وزارة الخارجية جيرمي شابيرو على هذه النقطة عندما قال: “إذا فتح الاتفاق سبيلا لعلاقات أفضل بين الولايات المتحدة وإيران، فستكون هذه كارثة بالنسبة للسعوديين، إنهم بحاجة إلى ضمانة لاستمرار الضغط الأمريكي ضد إيران، والمطلوب أن يستمر ذلك حتى بعد هذه الإدارة”.

وكانت إحدى النتائج المقلقة لتهديدات الاتفاق النووي الإيراني هي أن السعودية قد هددت باكتساب سلاح نووي خاص بها إذا ما أدى الاتفاق في النهاية إلى إعادة إحياء برنامج إيران النووي.

وهذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها القادة السعوديون بمثل هذه التهديدات، فبعد أن أعلن ترامب أن الولايات المتحدة ستتخلى عن الصفقة، قال وزير الخارجية السعودي إنه إذا قامت إيران الآن ببناء سلاح نووي، فإن بلاده “ستبذل كل ما في وسعها” كي تحذو حذوها.

لذا، فإضافة إلى تأثير ذلك على تزايد النزاعات التقليدية في المنطقة، قد تؤدي نهاية المشاركة الأمريكية في الاتفاق الإيراني إلى إثارة سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، وهو أمر كان ليصبح أقل احتمالا إذا حافظت الولايات المتحدة على مكانها في الاتفاق الإيراني.

وتعد احتمالات سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط مثالا آخر على النتائج الكارثية لسياسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المتهورة، والتي تشمل كل شيء، بدءا من تدخل نظامه الوحشي الذي أدى إلى نتائج عكسية في اليمن، إلى الجهود التي تقودها السعودية لفرض حصار على قطر، مرورا بتشجيع تغيير النظام في إيران، والذي تفضل أن يتم من قبل الولايات المتحدة.

وفي أعقاب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، يمكننا توقع أن يعمل اللوبي السعودي، بالتنسيق مع حلفاء المملكة في الإدارة، بدءا من غاريد كوشنر إلى جون بولتون، مستشار الأمن القومي المعين حديثا، على مضاعفة جهوده لتعزيز هذه الاتجاهات الخطيرة للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة.

ترجمة وإعداد: سمر سامي السمارة

The American Conservative