موائد رمضان.. نفقات كبيرة تحت بند الإسراف والتبذير.. وثقافة استهلاكية غير متوازنة
ساعات طويلة تمضي في المطبخ لإعداد ما لذ وطاب من أصناف موائد الشهر الفضيل، هذا الشهر الذي تتفنن فيه ربة المنزل بتقديم الأفضل والأشهى لأسرتها الصائمة، ظناً منها أن هذا هو الفعل الصحيح في كسب رضى الأسرة، متناسية رضى الله ومعصيته عند قيامها بالإسراف والتبذير المرفوض في جميع الأديان السماوية، والذي يبلغ أقصاه خلال شهر رمضان، فمن تجول في أسواق دمشق الأسبوع الماضي لاحظ تهافت الناس لشراء احتياجاتهم من المأكولات والمشروبات الخاصة برمضان التي تتزايد باعتقادهم في هذا الشهر كونهم صائمين، لكن ما يحصل هو العكس تماماً، إذ تبقى موائد الطعام على ما هي عليه نظراً لكثرة الأصناف التي تنتهي للأسف في حاويات القمامة؟!.
اعتقاد خاطئ
على الرغم من الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها معظم الناس نتيجة الأزمة، إلا أننا مازلنا نجد الكثير من العائلات التي لم تستطع الاستغناء عن عاداتها وتقاليدها المتمسكة بها في هذا الشهر كإضفاء أصناف وأنواع كثيرة من المأكل والمشرب على مائدة الإفطار، لنجد الكثيرين يلجؤون للاستدانة من غيرهم، أو طلب سلفة على رواتبهم كي يغطوا تكاليف هذا الشهر، ومع أن الجميع يتفق معنا بأن التبذير عادة مذمومة تتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلامية، إلا أنهم لم يستطيعوا ترك هذا الاعتقاد الخاطئ المنتشر كثيراً بين الناس بأن رمضان شهر الجود والخيرات والكرم، وهو شهر التلذذ بأصناف الطعام المختلفة، وغير المعتادة في الأيام العادية، متناسين أنه شهر الرحمة، والتصدّق على الفقراء، والشعور بهم وبحاجتهم؟!.
ثقافة استهلاك
حمى الشراء والتسوق تصيب الصائمين في هذا الشهر بشكل مخيف، وهذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، وليست محصورة ببلدنا، إذ إنها طاغية على كافة المجتمعات العربية، برأي الدكتورة رشا شعبان، “علم اجتماع”، على عكس الدول الغربية التي تتبع سياسة اقتصادية في المنزل على مدار العام، وأرجعت شعبان سبب الإسراف والتبذير في الشهر الفضيل إلى أن وليمة رمضان باتت بالنسبة لمعظم الناس وسيلة للتفاخر، ليغيب معها معنى الإحساس بجوع الفقراء وحاجتهم للطعام والشراب، فقد بات الإقبال المتزايد على شراء السلع الغذائية بكميات كبيرة في رمضان تقليداً دائماً لدى أغلب العائلات لدرجة المبالغة دون تحديد الأولويات، في حين يوجد من يفتقرون إلى أدنى متطلبات المعيشة، ولا شك في أن الأسرة قادرة من خلال وضع ميزانية محددة تلبي طلباتها ضمن المعقول في شهر رمضان بعيداً عن مظاهر الإسراف، وهذا يتطلب الرقابة والتوجيه، بدءاً من سلطة الأب في المنزل، وانتهاء بدور الإعلام في توجيه الأسر لثقافة الاستهلاك المعتدلة، وهذا لا يعني التقشف أيضاً، فرمضان ليس شهر حرمان وتقتير، كما يفهم البعض من الحديث عن ترشيد الاستهلاك فيه، بل المقصود هو وضع قاعدة لسلوكنا الاقتصادي في هذا الشهر وغيره نلتزم بها في الإنفاق والاستهلاك، خاصة في ظل الظروف التي نعيشها، والتي يعاني فيها أغلب الناس من تدني مستوى المعيشة، وغلاء فاحش أثقل الجميع!.
مرفوض شرعاً
شهر رمضان هو شهر الفضيلة والكرم على الفقراء لا شهر البذخ والتبذير، وجميعنا يعلم أن شهر رمضان هو شهر العبادة والتضرّع لله عز وجل، وأن الله أمر المسلمين في هذا الشهر بأن يحسّوا بإخوانهم الفقراء، ويحسنوا لهم دون شح أو مبالغة، ودعا الدكتور عبد الرزاق المؤنس، “معاون وزير الأوقاف سابقاً” في حديثه معنا حول التبذير في هذا الشهر، إلى الإقلال قدر المستطاع من أنواع الطعام، وقضاء هذا الشهر على المتيسر من الأطعمة الموجودة، وذلك للوصول إلى الغاية المرجوّة من شهر الفضيلة، فالزيادة في الطعام تضعف النفس عن ممارسة العبادة، والمعروف عن شهر رمضان أنه شهر العبادة، لا شهر إلقاء نعم الله في القمامة، وحرمان الفقراء من الاستفادة منها، فإلقاء الطعام بهذه الطرق هو نوع من التبذير، وهو مرفوض شرعاً، لأنه نعمة يجب أن تُكرم ولا تُهان، بل يجب أن يتم توزيعها على الفقراء والمحتاجين الذين هم في أمس الحاجة لها، فلابد من الفهم الصحيح لفريضة الصيام على أنها تطهير للنفس والمال، وأنها عبادة صحيحة، وأنها صبر وجهاد، وليست لإقامة الولائم والحفلات، والتنافس في الملذات، لذا لابد من الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة من بعده في سلوكهم ونفقاتهم في شهر رمضان، واستشهد المؤنس في كلامه بالحديث النبوي الذي يقول: “من فطّر صائماً فله مثل أجره”، وهناك آيات تنهى عن الإسراف كقوله تعالى: “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين”.
ميس بركات