“فوضى” يتصدر الأعمال الاجتماعية ويستأثر بالمشاهدة
ليس غريباً على المخرج سمير حسين أن يحوّل الشخصيات التي رسمها حسن سامي يوسف ونجيب نصير إلى شخصيات نابضة بالحياة بمشهد سينمائي يعج بحركاتهم وسلوكياتهم وحواراتهم وأرواحهم التي تتخبط بفوضى عارمة، فترصد كاميرته المتغيّرات التي يعيشونها في إطار تبعات الحرب الإرهابية، لتبدأ من المكان الذي أصبح ملجأ للنازحين والمهجّرين ليمتزجوا مع السكان الأصلاء باكتظاظ ولّد أيضاً الكثير من الفوضى.
ورغم تشعب الخطوط الدرامية المرتبطة بالشخوص إلا أن المخرج حسين تمكن من الإمساك بزمام الحبكة الدرامية المحكمة حتى في المشاهد الصامتة، التي تمرّ فيها الكاميرا على حركة المارة والسيارات في إشارة إلى مرور الزمن الآني دون الوصول إلى حلّ.
وفي غمرة عشوائية الفوضى يشدنا ذاك الخيط العاطفي الرومانسي بين ديمة قندلفت وفادي صبيح الذي يعيش الحياة بعشوائية وفوضى، حيث يتضح بأحد المحاور الرئيسة التي يرتكز عليها العمل تورطه بتجارة المخدرات وترويجها، في ظل منعكسات الحرب الإرهابية، لكن الحبّ الذي تفجّر في داخله أظهر المساحة الإيجابية الصغيرة تجاه المرأة المريضة بالكلى والتي وصفت حياتها”بيوم عايشة ويوم ميتة”. ويستغل خليل عمله في ورشة السيارات في الحارة لتمرير القطع المعدنية الصغيرة التي تحتوي على المخدرات، وتسويق المخدرات لكل من يلتقي به ويتعامل معه، كما رأينا في علاقته مع المهندس سالم –مجد فضة- ابن المحامي راتب –سلوم حداد- بتمرير سجائر الحشيش إليه وتشجيعه على تعاطيها.
ويتقاطع محور المخدرات مع محور أكثر جرأة وخطراً يهدد المجتمع بالتطرق إلى الفساد في القضاء من خلال شخصية المحامي راتب المتمسك بالقيم والمبادئ الذي يهدد بالقتل من قبل الخصم ويمارس عليه الضغط للتنحي عن القضية لأنه لايقبل الرشوة والأساليب الملتوية، ليضعنا المخرج إزاء ردّ يكمل الصورة حينما يقنع المحامي راتب موكله بتسليم القضية إلى محام قوي فيقول الموكل”قصدك محامي وسخ”.
وينتقل حسين إلى عالم الحارة العشوائية وحياة المهجرين مثل أيمن رضا وعائلته الذي يعاني السكن بمنزل مشترك، ليثير من خلاله الأضرار النفسية والاجتماعية التي أصابت الناس إثر فقدهم سكنهم وفقدهم العمل وصولاً إلى عمالة الأطفال في أجواء مشحونة بالانحرافات، والتوقف عند نقطة هامة تتمثل برفض أيمن رضا رمي ابنه بالبحر للهجرة ومن ثم اللحاق به، ثم يتشعب هذا المحور ويطال التفكير بالزواج عن طريق النت دون التفكير بمخاطره من قبل إمارات رزق أخت زوجته التي تعمل على إقناع ابنته بفكرة الزواج بهذه الطريقة لتعيش حياة أفضل بعيداً عن الفقر والحرب. ويجسد زيدان- عبد المنعم عمايري بأدائه الإنساني عامل الصحية البسيط مع فتحية- رشا بلال- التي كانت ضحية الزواج العرفي من أخيه الذي اختفى فجأة كما حصل بالواقع مع كثيرين صورة أخرى للحزن والفقر والفوضى والحبّ إذ يقع مع أخيه بغرام فتحية.
ومع هذه الخطوط المتشابكة تظهر مشكلة ندين تحسين بيك- سلوى – حبيبة راتب المرأة المطلقة التي تواجه مشكلة مع ابنها المراهق بتحريض من والده بدافع الانتقام.
ووسط رائحة العفن وتشققات الرطوبة وانكسارات الذات يمرر المخرج بذكاء مشاهد”الديسكو” ليظهر عمق المفارقة بين الطبقات والشرائح الاجتماعية، وليظهر أيضاً عمق الفوضى الفكرية والحياتية لدى بعض الشباب لتكون عبير –الممثلة ميري كوجك- التي تميزت بأدائها الرائع صورة عن الفراغ الفكري والعاطفي والسلوكي في عملها على الإيقاع بالابن سالم المهندس وأبيه المحامي راتب. ومازالت الأحداث تتصاعد وتبقى الشخوص رهن مصائرها التي ستبقى تدور ضمن إطار الفوضى، لنقرأ رسائل المبدعين الثلاثة الدائرة حول الفساد الذي وجد بالحرب الإرهابية فرصة لتفجّر مكنوناته في وجه الحبّ.
ملده شويكاني