استهتار بيئي
لم نستطع بعد – حكومة ومجتمعاً – التعاطي الأمثل مع الشجرة، سواء لجهة كونها مصدراً غذائياً مهماً، أم لجهة كونها غطاء أخضر له ما له من انعكاسات بيئية..!
فلا المجتمع استطاب ظلال ثروتنا الحراجية وبواعثها الصديقة للبيئة، ولا الحكومة أبدت حزمها المطلوب تجاه من يتجرأ على نسف أحزمتنا الخضراء أسوة بما تقوم به حكومات دول عدة لحماية ثرواتها الحراجية.. إذ لم تتوانَ السلطات المحلية في الهند باتخاذ قرار يقضي بحرف مسار أحد الطرق تفادياً لاقتلاع شجرة.. وغيرت السلطات المحلية الألمانية المخطط التنظيمي لإحدى ضواحيها أكثر من مرة بغية الوصول إلى مخطط مثالي لا يتعدى على أشجار تلك الضاحية..!
هاتان اللوحتان الرمزيتان لآلية التعاطي مع الشجرة، يعكسان اهتماماً حكومياً قائماً بالأصل على وعي مجتمعي، يعتبر التعدي على الحراج –بشكل أو بآخر- جريمة ربما لا تقل إدانة عن التعدي على البشر، فما بالكم إن طال هذا التعدي الأشجار المثمرة..!
ربما نتفهم – وعلى مضض – اضطرار البعض لقطع الأشجار – في مرحلة من المراحل – تحت ضغط الحاجة لأغراض التدفئة في ظل ندرة أو بالأصح سوء توزيع مادة المازوت الناجم بالدرجة الأولى عن فساد معظم الموكلين بتوزيعه.. ولكن وبعد أن شهد قطاع الطاقة انفراجات باتت ملموسة، نستهجن استمرار ظاهرة التحطيب في عدد من المناطق..!
لا ننكر أن ما سبق يندرج ضمن سياق الأزمة وتداعياتها، إلا أنه يعكس في الوقت ذاته ثقافة عدم المبالاة لدى معظم شرائح مجتمعنا، وانتفاء المسؤولية الوطنية تجاه ثروة يكاد تعويضها يلامس المستحيل، والأدهى أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقط، بل إن البعض لجأ لقطع الأشجار المثمرة كالزيتون..!
ربما يتعاطف البعض مع هذا السلوك، خاصة إن كان بغرض التدفئة كما سبق وأشرنا، أما أن يكون الأمر بغرض المتاجرة، فهذا لا يمكن تقبله بأي شكل من الأشكال، بدليل أن أسواق دمشق الشعبية متخمة بالفحم الطبيعي القادم من غاباتنا..! والتي إن سلمت من التغييرات المناخية لم تعد سالمة من أيادي المتاجرين السوداء العابثة بغطائنا الأخضر..!
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى محاولات وزارة الزراعة القيام بحملات إعلامية بقصد التوعية والتنبيه إلى أهمية المحافظة على الثروة الحراجية، إلا أن النتائج المتوخاة من مثل هذه الحملات لم تكن بالمستوى المأمول، ما يشي بوجود خلل ما، إما أنه مرتبط بكينونة المجتمع وتركيبته، وإما أن له علاقة بمطارح أخرى تحتاج إلى معالجات ما.. كأن تكون –مثلاً لا حصراً- الحاجة والعوز هما الدافع الفعلي للمحتطبين، وبالتالي لابد من إعادة النظر الحكومي بالوضع المادي والمعيشي لمثل هؤلاء..!
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com