«خفض التصعيد» على هوى ترامب!
ارتفع صوت الإدارة الأمريكية بالتهديد والوعيد ما أن ظهر لها توجّه الجيش العربي السوري إلى مناطق الجنوب لتحريرها مما تبقى من الإرهابيين، وعادت للتذكير والإلحاح على أن هذه المناطق مشمولة بخفض التصعيد.
وإذا كانت تهديدات ترامب، وتلويحه بإجراءات صارمة ضد سورية لهذا السبب، تؤكد على مركزية الدور الأمريكي القذر في الحرب الإرهابية التي شُنّت عليها، والسعي الأمريكي المحموم لإبقاء الوجود الإرهابي على أرضها، فإنها تؤكد أيضاً حقيقة النفاق السياسي الذي يحكم السياسة الأمريكية، فالتصعيد، أو خفضه لا يهم إدارة ترامب إلا بقدر ما يخدم مصالح حليفتها الصهيونية، وأدواتها الإرهابية.
أما من حيث المبدأ، فهي تمارس العدوان ضد سورية، بكل أشكاله، وبما فيها العدوان المباشر، وتدعم الاعتداءات الصهيونية على الدولة الوطنية السورية، وكأن هذه الاعتداءات، التي كان آخرها الهجوم الصهيوني على مطار الضبعة، جرائم مشروعة لا تخضع لأي موانع قانونية دولية، ولا ينالها أي نوع من أنواع السؤال والحساب، رغم ما تمثله من تصعيد خطير، يمكن أن يؤدي تكراره المستمر إلى اشتعال المنطقة، وتهديد أمن وسلام العالم كله.
إن ما أثار حفيظة الإدارة الأمريكية إذاً ليس الحرص الحقيقي على التهدئة وخفض التصعيد، فهي آخر من يفكر بمنع التصعيد في سورية، إلا إذا كان في خدمة العدو الصهيوني والإرهابيين، كما ذكرنا. أما الدولة السورية فإن عليها أن تتوقف عن محاربة الإرهاب والتصدي له، وإلا أصبح ذلك تصعيداً غير مقبول يستوجب غضب تلك الإدارة وجنونها العدواني!.
ما أثار حفيظة إدارة ترامب هو أن كل مخططات معسكر الأعداء قد فشلت في الجنوب السوري، وأن كل المغامرات العسكرية التي خاضها هذا المعسكر ضد الجيش العربي السوري بهدف عزل تلك المنطقة، وإبعاد الجيش عنها قد أخفقت، وأن مصير الإرهابيين الذين شكّلوا فيها، ومازالوا يشكّلون درعاً للكيان الصهيوني المحتل قد بات على «كف عفريت» كما يقال، ولن يختلف عن مصير غيرهم من الإرهابيين الذين تمكّن الجيش العربي السوري من دحرهم عبر إنجازاته الميدانية المتتالية، وآخرها إنجاز تطهير مخيم اليرموك الذي انطوى على رسالة شديدة الإزعاج للصهاينة، مفادها أن استعادة هذا المخيم الرمز وبقاءه، بالرغم من الدمار الواسع الذي ألحقه به الإرهاب المتصهين، دليل على أن الحلم الصهيوني بتصفية حق العودة، وقضية فلسطين هو حلم إبليس بالجنة، فكيف إذا كان الجيش السوري الباسل ماض بكل قوة وإصرار في تحرير كل شبر سوري من دنس الإرهاب، وكيف إذا كان شعبنا الفلسطيني الأبي يؤكد بتضحياته اليومية الهائلة في مواجهة الوحش الصهيوني الكاسر أنه لن يفرّط بأي حق من حقوقه الوطنية، ولن يسمح بتمرير أية خطة تريد إجهاض نضاله، وتصفية قضيته، وكيف إذا كان حلف المقاومة هو اليوم أكثر قوة في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني الرجعي في المنطقة…
رغم اندفاعه واقتناعه الواضح بأنه غير قادر على تحقيق ما عجز أسلافه عن تحقيقه للكيان الصهيوني، فإن الرئيس الأمريكي لا يستطيع تجاهل الصعوبات الكبيرة التي تقف أمام تحقيق بعض أهدافه، وتحدُّ من تأثير تحقيق بعضها الآخر، لكنه يعتقد أن انهيار الوضع العربي إلى حد تحوّل الرجعية العربية بشكل علني إلى حليف أمريكي صهيوني ذليل، وخزينة مفتوحة لتمويل مشروع ضرب المقاومة، وتصفية القضية، يقدّم فرصة تاريخية لا بد من اقتناصها، وهو ما يفسّر إقدامه على نقل سفارة بلاده إلى القدس، وإسراعه بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وسعيه المحموم إلى فرض «صفقة القرن» لإنهاء القضية الفلسطينية. لكن نجاح مشروعه هذا يحتاج إلى وضع حد لإنجازات المقاومة، وإيقاف تأثيرها الإيجابي في استنهاض الإرادة الشعبية العربية ضد أهدافه المكشوفة. ومن هذه الزاوية يمكن فهم خشيته الحقيقية من إنجاز جديد للجيش العربي السوري في الجنوب، تماماً كخشيته من استمرار الشعب الفلسطيني في ملحمة التصدي البطولي للاحتلال، ومن نجاح إيران الباهر حتى الآن في امتصاص آثار انسحابه من الاتفاق معها، وما يجب أن يتذكره سيد البيت الأبيض هو أن الجيش العربي السوري عندما يتخذ قرار القيام بأي عمل عسكري ضد الإرهاب، فإنه لا يخشى تهديدات أحد مهما كان، وأن معظم إنجازات هذا الجيش الكبرى قد تمّت رغم الضغوط والتهديدات التي مُورست ضد سورية، ولاسيما من قبل الإدارة الأمريكية وحلفائها، لكن يبدو أن الصهيوني ترامب نسي، أو يتناسى هذا…
محمد كنايسي