اقتصادصحيفة البعث

مقترح بإحداث جهة إدارية تنفيذية خاصة بقطاع السكان.. مخاوف من عدم قدرة السوق على استيعاب الوافدين الجدد.. والتأخر في إعادة إعمار الأبنية المتضررة

 

لعلّ عدم وجود جهة مؤسساتية تنفيذية مسؤولة بشكل مباشر عن إدارة قطاع السكان، وتنفيذ برامجه التنموية وتتبعها كما هي الحال في باقي القطاعات، هو ما دفع تقرير السياسة الوطنية للعلوم والتقانة والابتكار إلى اقتراح إحداث جهة إدارية تنفيذية خاصة بقطاع السكان، وذلك حتى لا تبقى القضايا السكانية والاهتمام بها من المسؤوليات غير المباشرة للعديد من الجهات، وبالتالي منع تشتت الجهود المبذولة في هذا المجال. كما اقترح التقرير تبني مشروع جديد لتحديث برامج وأدلة السياسة السكانية، تأخذ بعين الاعتبار مستجدات الوضع الراهن، إضافة إلى إدخال البعد السكاني في المناهج التعليمية، واستخدام وسائل الإعلام لتوعية المواطنين بقضايا السكان.
نقاط قوة..
ولدى تحليله للواقع العام لقطاع السكان، بيّن تقرير السياسة الوطنية للبحث العلمي التي أطلقتها مؤخراً الهيئة العليا للبحث العلمي أن ثمة نقاطاً من القوة يتمتع بها قطاع السكان تتمثّل بأنه مجتمع بشري فتي رغم التراجع النسبي للشريحة الطفلية، بالتوازي مع نمو القوة البشرية بمعدلات أعلى وأسرع نسبياً من معدل النمو السكاني، مع تنامي الحجم النسبي للسكان في سن العمل وتوقع وصول نسبتهم خلال العقدين القادمين لأكثر من ثلثي السكان، إضافة إلى ارتفاع نسبة المستخدمات لوسائل تنظيم الأسرة، وتنامي انتشار سلوك إنجابي متسق مع أسس الصحة الإنجابية، وانخفاض معدلات الوفيات وخاصة وفيات الأطفال الرضع ودون الخمس سنوات.
… وأخرى ضعف
في حين أن نقاط ضعف قطاع السكان تتمحور حول معدل نمو سكاني مرتفع على المستوى الوطني الإجمالي، ومهيمن في ست محافظات، إلى جانب الاختلال في التوزع الجغرافي للسكان بين المحافظات وبين الريف والحضر، وانتشار وتنامي ظاهرة السكن العشوائي على أطراف المدن الكبرى، مع وجود حركة هجرة داخلية غير منتظمة، وباتجاهات تفاقم من اختلالات التوزع الجغرافي، إضافة إلى تدني الخصائص النوعية للسكان بمختلف جوانبها التعليمية والمهنية والمعيشية، وتدني مستوى الأجور وعدم تناسبها مع تكاليف المعيشة.
فرص..
وأشار التقرير إلى عدد من الفرص الموجودة أمام قطاع السكان، أبرزها ظهور بوادر لانفتاح النافذة الديموغرافية ودخول بعض المحافظات في هذه المرحلة، ووجود فترة زمنية متاحة لا تقلّ عن ربع قرن قبل أن يبدأ المجتمع السكاني في سورية الدخول في مرحلة التشيخ، وتنامي الوعي بالقضايا السكانية بين الفئات السكانية وخاصة الشباب منهم، إضافة إلى تكافؤ الفرص بين الذكور والإناث على مستوى الأنظمة والقوانين في الدولة.
مخاطر
ولم يخفِ التقرير ما يحيط بهذا القطاع من مخاطر تتمثل بركود أو تباطؤ تحسّن المؤشرات التنموية ومؤشرات الصحة الإنجابية، وارتفاع مستوى ووتيرة الدفع السكاني السنوي، وعدم الاستفادة من فرصة انفتاح النافذة الديموغرافية، وتنامي ظاهرة عمالة الأطفال، إضافة إلى عدم قدرة سوق العمل السورية على استيعاب الوافدين الجدد إليها ولاسيما من الفئات الشابة، والتأخر في إعادة إعمار البنى التحتية والوحدات السكنية المتضررة، وبالتالي بقاء قسم كبير من السكان بحالة عدم استقرار جراء الأزمة، وتفاقم مشكلة السكن العشوائي أثناء الأزمة وبعدها، وتدني المؤشرات التنموية الكمية والنوعية للموارد البشرية، وتدهور المستوى المعيشي لشرائح واسعة من السكان محدودي الدخل.
تشوه
وبيّن التقرير أن التوزع السكاني الجغرافي يعاني من تشوّه كبير يتمثل في مشكلتي التركز والتشتت السكاني في مناطق معينة، وقد لعبت تيارات الهجرة الداخلية، وخاصة من الريف إلى المدن، دوراً إضافياً في تفاقم الخلل، يضاف إلى ذلك ما حدث من هجرة طارئة بسبب الظروف المناخية القاسية التي مرّت بها بعض المناطق، مشيراً إلى أنه وخلال الفترة 2011– 2013 شهدت سورية انزياحات سكانية داخلية ملحوظة، حيث تشير التقديرات الأولية إلى أن ثلث سكان سورية على الأقل قُدّر لهم أن قاموا بحركة نزوح أو أكثر من مكان إقامتهم الاعتيادي.

حركة المؤشرات
وأشار التقرير إلى أن تطوير البحث العلمي لقطاع السكان يتمّ من خلال دعم بناء قاعدة معلومات سكانية ترصد التغيّرات في حركة المؤشرات الديموغرافية، إلى جانب رسم السياسات بعيدة المدى لتحسين هذه المؤشرات. وإتاحة المجال وتسهيل استفادة الباحثين من البيانات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية الخام المتوفرة، عبر التعدادات السكانية وسجلات الأحوال المدنية، إضافة إلى رسم وتبني سياسة وطنية واضحة تجاه الهجرة الداخلية والخارجية، وتطوير نظم معلوماتية لرصدها وتتبع مؤشراتها الكمية والنوعية، ودعوة الباحثين ومتخذي القرار إلى تعميق الدراسات في مجال السكان والتنمية المستدامة، لأنها الأساس الذي يعتمد عليه في أي برنامج لسياسة سكانية مستقبلية.
حسن النابلسي