قراصنة النصر!؟
د. نهلة عيسى
صديقٌ لي سألني: من هم قراصنة النصر؟ ذلك بعد أن قرأ مقالي الأسبوع الماضي, الذي أنهيته بأننا لن نسمح بعد اليوم لقراصنة النصر بتغطية الوجع بالادعاء أننا بخير, فأجبته: كلامي بات عتيقاً, والحرب علينا تنهي عامها السابع وتدخل الثامن, ولغة الواقع فاقت في بلاغة وجعها كل قول, ولكن لأنه ليس بوسعي الصمت أمام هذا السعار كله, وليس بوسعي الاكتفاء بالفرجة, وأنا أرى أطفال سورية الهاربين من جحيم الغوطة على مرمى شهقة من دمشق, يبدون كالهاربين من جحيم حروب المغول بكل ما قيل عنها, من ذل, ومر, وكسر عين, سأجيبك, وعد على أصابعك, قراصنة النصر هم: أولاً: معارضة الزمن الأسود, لابسو الطراطير, الذين قضوا جل عمرهم السياسي يقتاتون على شتيمة الخليج وحكامه, ويصفونهم بالرجعيين والعملاء, وراكبي الجمل عكس التاريخ, فما الذي غير فجأة التاريخ, وحلق وجه الحقيقة, ورش العطور والبخور على دشداشات هؤلاء الرجعيين, وباتوا بين ليلة وضحاها, “بابا نويل” حامل الهدايا وموزع العطايا, ومانح الألقاب, والمؤتمن على تشكيل وفد يجمع الشامي بالمغربي, أخواناً ومسلحين ويساريين وليبراليين والكل إرهابيون, للجلوس على مائدة المفاوضات للتباحث مع جثثنا حول الديمقراطية وحرية التعبير!؟
ثانياً: دواعش الداخل, المستثمرون في وجعنا, وفي جروحنا وتقيحاتنا, الذين توجتهم الحرب ملوكاً على شؤوننا وقوتنا, وكللهم ليل الحاضر أباطرة, فحولونا إلى مجرد رساميل توضع قيد الاستثمار وفقاً لهبوط وصعود مؤشرات بورصة مصالحهم الشخصية, وليس وفقاً لما يجب أن تكون عليه حقيقة الأشياء, وأكرهونا جميعاً على الطاعة والولاء, فطغوا وبغوا وتناموا, وأصبحوا شواهد قبورنا, المُبخَرة بصمتنا, وعجزنا عن رد صاعهم صاعين, لأن صاعهم مترع, وصاعنا يندب فيه النمل حظه!.
ثالثاً: المتقمصون دور أمير المؤمنين, يفرضون علينا رؤيتهم عن الحق والباطل, وأحاديثهم تملأ الشاشات, والعقول, والمخادع بالعفن, عما يجب وما لا يجب, ومطلوب منا أن نصدقهم, رغم أن كل الدلائل (بعد الحدس والتجربة المريرة) تشير إلى أن داعش والنصرة والحر ومن لف لفهم, هم صنائعهم, وطوع بنان أفكارهم, وسلاحهم الذي اغتالونا به, وخانوا به نهاراتنا, وأجبروا الوطن على الزواج من الظلام, وأجبرونا على الجلوس فوق الرماد نراقب العمر يمضي إلى العدم!.
رابعاً: الفاسدون, عديمي الكفاءة والموهبة, ومقاولي الولاء, البغاث الذين تحولوا إلى نسور, فكانوا ذريعة كل الخراب, وكانوا سبباً في أن تفترش سماءنا السحب السوداء, ليسقط فوقنا من ثقوب عوارهم, ليلاً حاملاً للكوابيس والسخرية المرة, ودليل طريق دام للوصول إلى مدينة من، محمولاً عليه صوت الشاعر المصري “أمل دنقل” يقول: لم يِصح قاتلي بي: “انتبه”, كان يمشي معي, ثم صافحني, ولكنه في الغصون اختبأ!
خامساً: يا صديقي من قراصنة النصر!؟ هو سؤال ينتمي لمدينة من, ومن.. تشير إلى كل مسؤول باع واشترى بنا لحساب الكرسي, أو سكت وصمت على الخطأ ليحمي الكرسي, أو بقي في منصبه رغم علمه قبل علمنا أنه غير لائق بالكرسي, فجعل الحرب حربين, لأن المكان هو المكان, والشخوص واللاعبون والمتلاعبون والبائعون والشارون, ذات الوجوه, وسبع سنوات ونيف تفصل بين زمن ادعاء القدرة, وبين زمن الوصول إلى مدينة من؟ حيث طلب القاتل ينحني ويدعي البكاء على القتيل, وأصداء المدافع قادمة من مدينة “من”, تشير إلينا بحقيقة مايدور!
سادساً: هل بقي لديك يا صديقي صبر؟ من.. سؤال يستفزني, أنا التي أرهقني التجوال في دروب الافتراض, والحزن من ترهلات النهار, والبكاء على الأسواق تتحدى خطواتي وسط الدمار, والمجد يقترن بالموت, والشعر عطلة رسمية, واللغة تابوت واسع نودع فيه من نحب, وقصص عناوينها سكاكين جديدة, والنهايات حزينة, ويقين طفلة (كنتها يوماً) يتهشم على مداخل مدينة “من” بأن الحلم تسكنه خراف وملائكة صغار!؟.
من قراصنة النصر؟ سؤال يقتلني, لأن الجنون أيقظني منذ أكثر من سبع سنوات على صوت سائق الحافلة وبائعي الملابس والخضار وتجار الأوطان, وهم يبررون كل القرف, بالوقود الأسود والحرب, كما أيقظني على خطواتي وهي تَقيس الحياة, بالمسافة بين الشارع والبيت, وتزهو بالنجاة, وتتساءل في عقل محض: هل الحياة حياة؟ كلنا قراصنة نصر يا صديقي, إن لم نعترف بأننا جميعاً بحق هذا الوطن كنا خاطئين.. خاطئين!؟.