كوريا تتحرر من الوهم الأمريكي
ترجمة: علاء العطار
عن موقع “ذي إنترسيبت” 25/5/2018
من المستغرب قول هذا، لكن هناك جانباً إيجابياً في الطريقة الهمجية التي ألغى عبرها الرئيس دونالد ترامب، مؤقتاً، قمة كوريا الديمقراطية، ولم يُبيّن أي رئيس أن الولايات المتحدة عائق أمام السلام في شبه الجزيرة الكورية أفضل مما فعل ترامب.
هل هذه كارثة؟ قد تكون كذلك، لأن أي شيء يلمسه ترامب يمكن أن يتحوّل إلى رماد نووي، لكن إلغاء القمة -أو تأجيلها أو إحياءها أو من يدري ماذا يمكن أن تُسمّى هذه الفعلة، بالنظر إلى مزاجية ترامب المشوهة- من المحتمل أن يكون مفيداً إذا اغتنمت كلتا الكوريتين هذه الفرصة ليتوليا زمام الأمور بأنفسهما، ويعملان على تحسين علاقاتهما بالرغم من مسلسل التهريج المقيت في المكتب البيضاوي.
قال أبراهام دنمارك، نائب مساعد وزير الدفاع السابق لشرق آسيا، في تغريدة له على تويتر “في النهاية، لا يمكن أن يعود الوضع إلى ما كان عليه قبل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية.. فـ كوريا الديمقراطية في موقف أقوى، ولدى كيم شرعية أكبر بكثير، وانخرطت الصين بشكل أكبر، واستثمرت كوريا الجنوبية الكثير في الدبلوماسية، وأصبح الدور الأمريكي أكثر محدودية”.
وبينما كان المسؤولون في كوريا الديمقراطية وكوريا الجنوبية غير دارين بالإلغاء حتى أعلن عنه ترامب، أشار رئيس كوريا الجنوبية، مون جيه إن، إلى أن جهود المصالحة ستتحرك قُدماً (ومن يدري، ربما ستمضي القمة قدماً أيضاً)، وقال مون بعد جلسة طارئة لمجلس الأمن القومي: “إن نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية وضمان سلام دائم هما مهمتان تاريخيتان لا يمكن تأجيلهما أو تركهما”.
هذه لحظة كشف الحقيقة، ولا يقتصر المدلول على ترامب والتفكير المنطقي وحسب، فلأكثر من قرن، كانت شبه الجزيرة الكورية الهدف المشؤوم لمزيد من التدخل الأجنبي أكثر من أي بقعة أخرى على الكوكب (وهذا له مدلولات عدة). لقد بيّن ترامب بالضبط كيف يمكن أن تكون تصرفات الدخلاء المتقلبة والمؤذية، وكيف لا يفعلون شيئاً يذكر لخدمة مصالح 75 مليون شخص يعيشون في هذه البقعة.
كانت كوريا مستعمرة يابانية من 1910 إلى 1945، واضطر الكوريون إلى اتخاذ أسماء يابانية، وأجبروا على العمل في مناجم يابانية، وأجبرت النساء على ممارسة الدعارة، وبعد انهيار الإمبراطورية اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية، تمّ تقسيم شبه الجزيرة الكورية، ولم يكن لدى الكوريين أي خيار أو دور في ذلك، وخلال الحرب الكورية التي اندلعت عام 1950، قتل أكثر من 5 ملايين من الجنود والمدنيين- وهي فاجعة لها أبعاد تاريخية، ووقعت معظم المذابح في كوريا الديمقراطية، حيث ألقت الولايات المتحدة قنابل أكثر من تلك التي ألقتها خلال حرب المحيط الهادئ بأكملها ضد اليابان.
وفي حين شُجبت كوريا الديمقراطية بسبب برنامج أسلحتها النووية، هل يمكنك أن تخمن من الذي بدأ السباق النووي؟ إنها الولايات المتحدة، فهي التي جلبت الأسلحة النووية إلى كوريا الجنوبية في عام 1958، وأبقتها هناك لأكثر من ثلاثة عقود (تم إزالة آخر هذه الأسلحة عام 1991). وقال والتر بينكوس: “ربما حفز وجود هذه الأسلحة الأمريكية الكوريين الديمقراطيين على تسريع تطوير أسلحتهم النووية.. ولا تزال حكومة سيئول تحت المظلة النووية الأمريكية”.
هناك عنصر مهمّ مفقود في الخطاب الأمريكي حول كوريا الديمقراطية، وهو 25 مليون كوري ديمقراطي، لقد عشت في كوريا الجنوبية لمدة ثلاث سنوات، وزرت كوريا الديمقراطية في مناسبة غريبة منذ مدة طويلة، لذلك أجد صعوبة في نسيان كيف تتأثر الشعوب بما تفعله الولايات المتحدة، ونحن مهووسون بكيم جونغ أون وأسلحته النووية، وفي حين أن هذا أمر مفهوم -فلا ينبغي الاستخفاف بالأسلحة النووية، بالطبع- إلا أنه لم يجر نقاشٌ وافٍ لقضية يدَّعي اليمينيون أنها مصدر قلق عميق، وهي صالح الشعب الكوري، ما الأفضل بالنسبة لهم؟ في الحقيقة، لا يبالي الصقور بذلك، وكتب بريت ستيفنز في صحيفة نيويورك تايمز: “تمسكوا بالوضع الراهن، فقد أفادنا جيداً لمدة 65 عاماً”.
ولا يمكن الاستمرار في قول إن متابعة عزل كوريا الديمقراطية ومعاقبتها هو أفضل طريق لإحراز تقدم، فقد جربنا هذه السياسة في العقود القليلة الماضية، ولم نستفد منها شيئاً، بل أصبح لدى نظام كيم الآن رادع نووي فعال، كما أنه لا يظهر أي علامات على الانهيار تحت وطأة الضغوط الاقتصادية أو السياسية، وما يريده صقور المؤسسة الأمريكية هو المزيد من العقوبات والمزيد من العزلة والمزيد من التهديدات، وهذا هو التعريف التقليدي للجنون، أي أن نفعل الشيء نفسه مراراً وتكراراً، ونتوقع نتائج مختلفة.
من الواضح أن مون، رئيس كوريا الجنوبية، يدرك أن إقامة علاقة أفضل مع نظرائه في الشمال أفضل من محاولة عزلهم (وهو أمر لم ينجح) أو شن حرب ضدهم (الأمر الذي سيؤدي إلى كارثة أخرى)، والأمر المفيد في سلوك ترامب الأرعن هو أن لدى مون وكيم وبقية العالم الآن دليل وافر على أن البيت الأبيض ليس شريكاً مفيداً، أو حتى عاقلاً، وهذا ليس الإنجاز الذي رغبنا فيه، بل إنه، كما عبر عنه دونالد رامسفيلد، ما استطعنا إنجازه.