اقتصادصحيفة البعث

مســــاعٍ جــــادة لضبـــط الهـــدر.. وبيئـــة عطشـــى لـ”المــال العــام” مــن بوابــة هــذا الملــف الدســـم..!

 

لعل ملف السيارات الحكومية يشكل أنموذجاً براغماتياً يشخص واقع الهدر الحاصل في المال العام، وذلك نظراً لما تشكله السيارة بحد ذاتها من عامل مغرٍ لاستلام أي منصب وظيفي مهما صغر أو كبر، في مجتمع لا يزال يعيش على أحلام محورها “امتلاك سيارة ومنزل، أو وظيفة تؤمن له السيارة والمنزل وربما أكثر من ذلك”..!

كانت البداية

لا ننكر أن الحكومة – ومنذ سنوات عدة – شمرت عن أذرعها للخوض في غمار ملف طالما أرهق الخزينة العامة، وبالفعل اتخذت العديد من الإجراءات الرامية إلى ضبط استهلاك الوقود المخصص لأسطول السيارات الحكومية في محاولة منها للحد من الهدر وضغط النفقات إلى أكبر قدر ممكن، والبداية كانت بمخاطبتها الجهات العامة قاطبة بإدخال كل بيانات الآليات والمركبات الحكومية الموجودة لديها إلى البرنامج الإلكتروني المركزي للمركبات الحكومية، وإعلام رئاسة مجلس الوزراء بذلك تحت طائلة إيقاف تزويد الآليات غير المدخلة بالمحروقات، وضبط حركة تعبئات الوقود، إضافة إلى التنسيق بين مكتب شؤون الآليات والمركبات الحكومية وفروع شركة محروقات في المحافظات فيما يتعلق بطلبات زيادة كميات الوقود المشحونة بالبطاقات الذكية (زيادة خطة – مهمات سفر)، المحروقات السائلة، وقسائم المحروقات للجهات العامة وغيرها من الإجراءات..!

لا يوجد التزام..!

لكن ورغم ذلك لا يزال يكتنف هذا الملف العديد من التجاوزات ليس أولها عدم التزام رؤساء مكاتب الآليات في الجهات العامة باستلام الحساب الإلكتروني لجهاز إدخال واستكمال البيانات المطلوبة والبدء بأتمتة بيانات كافة الآليات والمركبات الحكومية العاملة لدى وزاراتهم والجهات التابعة لها ضمن الواجهة الخاصة بهم، إذ أشارت بعض المصادر في مؤسسة رئاسة مجلس الوزراء إلى أن بعض الوزارات لم تلتزم بهذا الأمر كما يجب دون أن تحدد أياً من هذه الوزارات. وليس آخرها ما أكدته بعض الوثائق أن عدد السيارات المدخلة إلى البرنامج لم يلامس حاجز الـ40 ألف سيارة فقط، في حين أن العدد الواجب إدخاله يصل إلى 100 ألف سيارة وفق لما أكدته مصادرنا التي أشارت إلى أن عدم التزام الجهات العامة بتعميم رئاسة مجلس الوزراء حال دون إدخالها كاملة، يضاف إلى ذلك أيضاً ازدياد حالات التعبئات الشاذة بين الحين والآخر والمتمثلة باستهلاك أكبر قدر ممكن من الوقود وذلك من خلال تعبئة كمية وقود كبيرة لمرة واحدة، أو عدة تعبئات صغيرة ومتوسطة لنفس الآلية بفارق دقائق قليلة، علماً أن الحد المسموح منه للتعبئة محدد بـ 60 ليتراً كحد أعلى يومياً للسيارات الحكومية.

فائضة

كما أن موضوع السيارات الفائضة لدى بعض الجهات وتوزيعها على أخرى بحاجة لها لم يحل بعد، حيث إن هناك نحو 200 سيارة فائضة تم وقف تزويدها بالوقود عبر نظام البطاقة الذكية، إلا أن هذا الإجراء لم يحقق المراد منه، بأن يدفع بالجهات المسؤولة عنها لتسليمها إلى مكتب الآليات في رئاسة مجلس الوزراء، بل لجأت هذه الجهات إلى أساليب وطرق غير مشروعة لتزويد السيارات بالوقود..!

سرقات

ولعل سيل التعاميم والقرارات الصادرة عن رئاسة الوزراء بخصوص ضبط عمليات التعاطي اليومي مع هذا الملف يشي بعدم تحقيق نجاح ملحوظ، لا بل إن بعض المراسلات يحمل في طياته اعترافاً بوجود سرقات تكتنف هذا الملف الدسم بنظر العابثين به، إذ يشير كتاب موجه من رئاسة الوزراء إلى وزير النقل صراحة إلى “كثرة حالات السرقة والتلاعب بأرقام شاسيهات السيارات” وبناء عليه طلبت رئاسة الوزراء من الوزير إمكانية إعادة الفحص الفني بغرض تجديد الترخيص للمركبات الحكومية، على أن يتم الفحص بالطريقة التي تراها الوزارة مناسبة دون أي استثناء لأية سيارة حكومية، وذلك لما في الفحص الفني من فائدة بضبط السيارات الحكومية المسروقة وفق تعبير الحكومة..!

تلاعب بالمهمات

كما أن تعاميم رئاسة الوزراء القاضية بإجراء فحص دوري للسيارات الحكومية ومطابقة العدادات مع استجرار الوقود ولاسيما لسيارات الخدمة يشي بأن هناك من يتلاعب بمخصصات مهمات السفر وربما بيعها للسوق السوداء؛ لذلك طلبت رئاسة الوزراء من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية التدقيق بحالات الاستجرار غير النظامي لمادة البنزين بموجب البطاقة الذكية لسيارات كافة الوزارات والجهات التابعة لها بلا استثناء. واعتبرت الحكومة أن موجبات هذا الإجراء يأتي لورود بيانات التعبئات الشاذة لكافة آليات الوزارات والجهات العامة منذ انطلاق المشروع الوطني للبطاقة الذكية، دون أن يرد إلى الأمانة العامة أية نتائج عنها، بالإضافة إلى أن جميع الإجراءات المتخذة من قبل مديريات الرقابة الداخلية لم تتعدَّ التنبيهات والتوجيهات ولم يتم أي تغريم يردع هذه العملية.

أبرز الإشكاليات

وربما أبرز الإشكاليات التي تكتنف هذا الملف تلك المتعلقة بمخصصات مسؤولي الصف الأول السابقين من السيارات (رئيس وزراء – وزير – والذين هم بمثابة وزير كالمحافظ، والأمين العام لمجلس الوزراء، ورؤساء الهيئات المركزية.. إلخ) حيث يخصص للأول 3 سيارات، وللبقية سيارة واحدة، إذ يلجأ معظم هؤلاء المسؤولين إلى ركن أفخر سيارة من السيارات المخصصة لهم طيلة تواجدهم بالمنصب، ليصار إلى تخصيصها لهم بعد تركهم للمنصب وتبقى معهم حتى الوفاة، ويعيدها الورثة في نهاية المطاف (خردة). وقد بينت مصادر حكومية خاصة أن عدد هؤلاء المسؤولين السابقين يلامس الـ50 مسؤولاً سابقاً ممن يحق تخصيصهم بسيارة، في حين أن هناك أكثر من 200 سيارة حكومية مخصصة لهؤلاء، ما يعني أن البعض خصص بأكثر من سيارة، وبالتالي فإن هذا الباب هو أوسع أبواب الهدر؛ ما يقتضي بالضرورة وجود صيغة توافقية تضمن الحد من الهدر وضغط النفقات وترشيد الاستهلاك، وذلك من خلال تخصيص سيارة واحدة لرئيس الوزراء بدلاً من 3 بغض النظر عن سعتها، وتحديد سعة السيارة المخصصة للوزير السابق ومن هم بمرتبة وزير حتى لا يصار إلى اقتناء أفخر السيارات بشكل مطلق، أو السماح لهم بشراء سيارات من المنطقة الحرة معفاة من الرسوم الجمركية.

مع إقرارنا بالجهود..!

لا ننكر الجهود التي بذلتها الأمانة العامة في رئاسة الوزراء ممثلة بمكتب شؤون الآليات والمركبات الحكومية خلال الفترة الماضية من خلال متابعتها للمخالفات التي تشي بعدم التزام بعض العاملين لدى بعض جهاتنا العامة بهذا النظام، خاصة من جهة الاستجرار غير النظامي، أو بيع بطاقات البنزين المخصصة، في تجاوز صريح لكتاب رئاسة مجلس الوزراء رقم 13773/1 تاريخ 3/9/2014 وخاصة المادة /5/ منه المتضمنة تطبيق العمل بالبطاقة الذكية واتخاذ الإجراءات المناسبة لفرض العقوبات الرادعة بحق العاملين في الوزارات والجهات التابعة لها، الذين أساؤوا تطبيق هذا النظام ولاسيما الاستجرار غير النظامي أو بيع بطاقات البنزين، وذلك في ضوء البيانات المعدة من قبل مكتب شؤون الآليات والمركبات الحكومية التي سترد إلى هذه الجهات في هذا الخصوص. ورغم إقرارانا أيضاً بالمساعي الجدية لمؤسسة رئاسة مجلس الوزراء باتجاه ضبط النفقات والحد من الهدر ولاسيما تلك المتعلقة بأسطول الآليات والسيارات الحكومية عبر اعتماد العمل بنظام البطاقة الذكية الكفيلة بتحقيق وفر بوقود هذه الآليات والسيارات، إلا أن واقع الأمر يؤكد وجود تجاوزات لا يستهان بها في هذا المجال، إذ تشير بعض المعطيات إلى ازدياد حالات التعبئات الشاذة بين الحين والآخر والمتمثلة باستهلاك أكبر قدر ممكن من الوقود وذلك من خلال تعبئة كمية وقود كبيرة لمرة واحدة، أو عدة تعبئات صغيرة ومتوسطة لنفس الآلية بفارق دقائق قليلة، ما يحول بالتالي تحقيق الهدف المنشود من هذه البطاقة، وقد بينت بعض المصادر المطلعة أن عدد هذه التعبئات وصلت في أحد الأشهر لنحو 6000 تعبئة شاذة..!

حسن النابلسي