ومازال البعض يسأل: من نحن؟
د. مهدي دخل الله
من نحن؟..
إذا سأل السوريون أنفسهم هذا السؤال اليوم، فماذا يبقى للأمريكيين والكنديين والأرجنتنيين وغيرهم من الأمم الحديثة؟..
إذا سأل بعض «المثقفين»، أو بالأحرى «المثقفويين» العرب السوريين من نحن؟.. فماذا يسأل الأستراليون والجنوب أفريقيون؟..
من نحن ؟ أي عبث هذا؟؟..
هناك فرق بين الوعي العارف والوعي الزائف (pseudo). الأول يطرح مقولات تختص بجوهر الواقع، والثاني يخترع أسئلة زائفة فقط كي يعزز النزعة «الثقافوية» التي في بعض الأحيان يهمها جنس الملائكة، وصراع الأسبقية بين البيضة والدجاجة..
• في الفطرة: كان زكي الأرسوزي في الخمسينيات يسخر من المحتارين بين الهوية السورية والهوية العربية (أي الهوية الوطنية والهوية القومية)، فيقول: والله لو ذهبتم إلى آخر فلاح في آخر قرية سورية، وسألتموه:” هل أنت سوري أم عربي؟”، لضحك منكم، واستسخفكم… وأعتقد أن الجواب نفسه سيجدونه عند آخر فلاح في آخر قرية مغربية على ساحل الأطلسي.
• في البداهة: عندما كنت طالباً في إحدى المدن الأوروبية كان الناس هناك يسألون الطالب السوري واللبناني والمصري والمغربي: ماذا يحصل عندكم اليوم؟؟ في محاولة لمعرفة حدث جرى في المغرب أو الخليج أو أي دولة عربية أخرى. كانوا دائماً يخاطبوننا بأنتم العرب، سواء كان المخاطَب سورياً أو مغربياً…
هم يصرون على أننا عرب، لكن بعضنا مازال يسأل : من نحن؟…
وهم يعاملوننا كقضية واحدة.. أما عندنا فهناك من يصر على أن هويته مجرد حدود سياسية رسمها المستعمر متخلياً عن آلاف السنين التي كونت واحدة من أعرق الأمم، وأكثرها عطاءً للإنسانية في العصرين القديم والوسيط..
إذا كنا اليوم نريد تجاوز مفهوم العرب، كأبناء غسان وعدنان وقحطان، ومفهوم القبائل العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج، فلا يمكن أن نتجاوز مفهوم العروبة، الحالة الثقافية التاريخية الموضوعية التي تجمع بين البشر كلهم من المحيط إلى الخليج.
من نحن؟.. سوريون، بمعنى الجمهورية العربية السورية؟ فلنتوجه إذاً بالشكر للمستر سايكس، والمسيو بيكو اللذين منّا علينا بالهوية؟..
من نحن؟.. سوريون بمعنى بلاد الشام؟ حسناً لكنا تميزنا لم يظهر إلا في إطار أمتنا العربية الكبيرة، ولولا هذا الإطار لما تميزنا…
• في العلم: يعلمنا ابن رشد أن المقولة الصحيحة هي التي تُظهر معنى الجوهر، لكن بعض مثقفينا يصرون على الظاهر الراهن، متناسين أن علة الوجود مكنونة في الجواهر، لا في الظواهر..
وعليه فإن وطنيتنا السورية جوهرها العروبة، لأن التعامل مع الواقع الحالي الدولتي، لا يستقيم أفقاً وعمقاً، إلا إذا استند إلى معرفة الجوهر…
ليست العروبة شطحة رومانسية… إنها وعي جوهر الواقع، ومن دون هذا الوعي لا يمكن لنا أن نعرف من نحن.
• في المصلحة: حسناً مادمنا نصر على مفاهيم العصر، وأهمها مفهوم المصلحة، فلنتساءل أيهما أفضل لنا، أن نكون أمة عظم شأنها في مراحل التاريخ كلها، ونحن نعيش في عصر الأمم الكبرى والمصالح الكبرى، أم نكون فُتاتاً من دون هوية ثقافية تاريخية جامعة، لا يقيم أحد لنا أي وزن؟!…
mahdidakhlala@gmail.com