“يا ريت” كثيرة تلك الرهافة في وردة
عندما يجتمع جوزيف حرب مع فيلمون وهبي لتقديم وردة لفيروز، فكم ستكون تلك الوردة ساحرة، بديعة، رقيقة، عذبة، تحيي وتميت برهافتها؟ هذا ما فعله الرجلان في “يا ريت” الأغنية التي تمرّ في كل خاطر وتجلس فيه وكأنها من سكانه، لألفتها ولسحرها ولموضوعتها الشعرية البديعة، عدا عن اللحن الأخاذ فعلا للبديع “فيلمون”، وصوت فيروز القادم من غيوم وعطر.
“يا ريت منن مديتن ايداي وسرقتك أيه أيه/ لأنك إلن رجعتن ايداي وتركتك حبيبي”، إنها الأمنية الأصعب، تلك التي تقاوم كل قدرة العالم فيها على الاحتمال لكنك تصبر، الذكاء والإحساس الرهيف بالكلمة من شاعر بحجم جوزيف، يأبى إلا أن يعطي لتلك اللقطة حقها الكامل، إنها أجمل من أي مشهد قد يحدث وتراه.
ندهتك خلصنى من الليل ويا ريت/رجع إلنا أشياء نحبا وعنا بيت/ تعيد قراءة الكلام مرة بعد مرة، ثم تسمعه بصوت فيروز وفيلمون مرة بعد مرة أيضا، لتخرج مشدوها من رحلة فنية، يندر الزمان أن يجود بمثلها، تقنية السرد خلفا التي انتقاها جوزيف ولكن بطريقته الشعرية المهيبة، تبقيك أثير الحكاية، منتظرا بشغف ماذا ستفعل الآن؟
“إذا رجعت بجن وإن تركتك بشقى/لا قدرانة فل ولا قدرانة أبقى/ يا له من خيار يضعنا الشاعر فيه؟ ويا له من سبك محكم لفكرة عظيمة في قالب لغوي بسيط، ينسكب كالماء في السواقي، لتأتي الموسيقى المشغولة بدهب الشغف، كالبساط السحري، آخذة تلك الكلمات في رحلة من ألف ليلة وليلة، حتى تصل فيروز، وتجعلها حلما من ورق وملايين المشاعر المتضاربة، التي تقصّد الشاعر أن يجعلك عزيزي القارئ تشعر بها، فأربكتك وأمتعتك ولربما بكيت دون قصد وأنت تعيد ذاك الشريط الفني بكل ما للكلمة من معنى، وكأنه من لحمك ودمك، لا من كلام كتبه شاعر فذ ولحنه موسيقي عتيق وغنته فيروز.
تمّام علي بركات