“الغريب” رواية تلفزيونية لخيانات بأشكال متعددة
“اللي بيحرس حدود وطنه وبيسمح لممنوعات تمر بيكون خاين، وإذا كان ابني خاين أنا برية منه” هذه الجملة التي ذكرتها سيدة الدراما السورية الفنانة منى واصف في مشهد الحكم على ابنها بالسجن، رغم أنها متأكدة من براءته ابنها، وبأنه ظُلم إلا أن هذه الجملة كانت تحمل رسالة العمل فليس فقط من يحمل السلاح في وجه أبناء شعبه هو خائن، أيضا الاتجار بالمخدرات خيانة للوطن مثلها مثل الفساد بأنواعه الذي يدمر المجتمع.
مسلسل الغريب سيناريو عبد المجيد حيدر بتوقيع المخرج محمد زهير رجب أعاد المشاهد العربي إلى الرواية التلفزيونية التي خلّدت أعمال التسعينيات، وبُنيت على محور توريط الموظف المسؤول – النجم رشيد عساف بدور كمال- عن حراسة الممر الحدودي بتمرير كميات المخدرات التي انتشرت بصورة أكبر نتيجة الحرب الإرهابية على سورية، لتسرد رواية الغريب بحسّ إنساني حكاية رجل اتّهم ظلماً وأمضى عشرين عاماً في السجن، ليخرج منه بعد أن خسر كل شيء، في حين يبقى المجرم الحقيقي طليقاً يمارس كل السلوكيات اللا أخلاقية.
ركز العمل الذي يجسد بطولته الفنان عساف بشخصية مغايرة وبعيدة عن شخصية زعيم الحارة في البيئة الشامية وبكاركتر متميز عن بقية الفنانين الذين أدوا شخصية الزعيم، فبدا منكسراً وحزيناً يبحث عن عمره الضائع وسرّ براءته. وقد رسم حيدر الشخصية بأبعاد نفسية وإنسانية مختلفة لنرى ملامح رجل مطعون من الداخل سكنه الحزن ينوي الانتقام من زوج أخته رؤوف – الفنان زهير رمضان- الذي ورطه بالقضية وهو يعرف أنه بريء وتزوج زوجته بعد إقناعه بطلاقها لاسيما أنها شكّت ببراءته، وإنما يريد أن يثبت براءته أمام ابنته.
تمضي أحداث الرواية بتصاعد تدريجي مع الأحداث بومضات إنسانية حرّكت السواكن داخل المشاهد حينما يختلس النظر من الباب إلى ابنته، وحينما ينظر بحزن عميق إلى نافذة غرفتها، وحينما يسمع صوتها وينهي المكالمة، وتجلت براعة عساف بتجسيده ذاك الإحساس الذي تسرب إلى روح المشاهد من خلال نظرات عينيه الدافئة وحركاته البسيطة ونبرة صوته الهادئة، في الوقت الذي بدأ الحراك الداخلي لدى بقية الشخوص بالتغيير مثل رؤوف الذي أصبح يخاف من مواجهة كمال ومن عودته، ومثل زوجته نهال –الفنانة رنا شميس في ثنائية مختلفة مع رشيد عساف بعد أزمة عائلية-ليتغير مسار شخصيتها بعد خروج كمال من السجن وتكتشف أشياء سيئة داخل رؤوف وتحاول تسويغ زواجها منه، والأهم هو الحبّ الخفي الذي تفجر ثانية في أعماقها.
التغييرات تطرأ أيضاً على كمال الذي تظهر عليه أعراض المرض، فهل يستطيع تبرئة نفسه؟ وهل يستعيد ابنته؟ هذا ما ستكشف عنه أحداث المسلسل. ومن زاوية أخرى اعتمد العمل على الوجوه الشابة نتيجة الامتداد الزمني للرواية وإشراك جيل ابنته وبنات رؤوف وأحمد ابن أخته- الفنانة مرح جبر- التي كان لها حضور قوي بالمسلسل، فتناول من خلال الجيل الثاني بعض مشكلات الشباب.
كما تشعبت الخطوط الدرامية لتطال الحبّ من دين مختلف مثل أخت كمال أمل وصديقه نضال، والزواج العرفي الذي تدفع ثمنه المرأة إلا أنه في الغريب امتدت المشكلة بتمسك الأم بابنها لتواجه معه المجتمع، إضافة إلى الستار القانوني وراء عمليات الفساد، وبكلمة أخيرة حضور رشيد عساف الحامل الأساسي للعمل الروائي التلفزيوني جعله محور اهتمام المشاهدين.
ملده شويكاني