قراءة في كتاب إیران وسوریة عناق البنادق والشرف
أبو الفضل صالحی نیا
المستشار الثقافي لسفارة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة في سوریة
قبل أیام كنت أتصفح كتاباً بعنوان: “إیران وسوریة عناق البنادق والشرف”، فشدّني اجتماع أربعین قلماً من الأقلام السورية والفلسطینية المعروفة ليخطّوا كتاباً في مجلّدین اثنین، یتناولون في طیاته موضوعاً جدّ هام ومعاصر، إنه دور إیران في الساحة السوریة، فیحلّلون أسباب إیران ودوافعها في أداء الدور الذي تؤدّیه في سوریة، ويفندون الأبعاد السیاسية والاقتصادية والخدماتية والعسكریة لوقوف إیران إلی جانب الشعب والدولة السوریة ضد مشروع تفكيك دول المنطقة من خلال الهجمة الإرهابیة على سوریة بدعم عالمي خدمة لمصالح الكیان الصهیوني.
لیس خافیاً علی أحد بأن هناك حرباً إعلامیة واسعة النطاق والآفاق تواكب الحرب العسكریة علی سوریة، وما یجري فیها، ولاسيما الدور الإیراني فيها، حیث هناك محاولة حثيثة من قبل الأعداء- أصلاء وعملاء- لبث السموم بغية تشويه الرأي السوري العام خصوصاً، والعربي عموماً حول دوافع وأهداف التواجد الإيراني في سوریة، ولما كانت هذه أدوات ذوي ثقافة خنوع، ولا یخجلون إذا قیل علناً بأن بقاءهم في السلطة رهن لحمایة أمریكا، وإلا سیسقطون خلال أسبوع، فیريدون محاكاة طریقة حكمهم وتطبيقها علی الدول ذات القرار المستقل كسوریة، ويسعون بما لدیهم من إمكانات إعلامیة هائلة وأقلام مأجورة وأموال مشبوهة لشراء الضمائر الضعیفة، ربما یحالفهم الحظ وینجحون لبرهة من الزمن في بثّ الكذب والدجل، ولكن كما یقول المثل الشهیر: “لن تبقی الشمس خلف السحاب بل ستنجلي عنها”، ویبدأ الرأي العام ولو بعد حين بطرح الأسئلة حول هذا التضليل، ویطالب ويدعو إلى البحث عن أجوبة التساؤلات.
وهنا تكمن أهمیة هذا الكتاب ومقالاته كتوثيق لما يجري، حیث یجد القاریء أجوبة عن كل ما یمكن أن یتبادر في ذهنه من أسئلة عن الدور الإیراني في سوریة.
أربعون مقالة بقلم أربعین كاتباً ومحللاً سیاسياً واستراتیجياً بارزين ضمن مجلدین تحت عنوان: “إیران وسوریة عناق البنادق والشرف” یتحدثون ویحللون ویشرحون للقارىء:
– لماذا اتخذت إیران قرارها بتلبية دعوة الدولة السوریة للوقوف جنباً إلى جنب مع الشعب والدولة السوریة.
– ماذا قدّمت إیران عسكریاً ولوجستیاً وسیاسیاً واقتصادیاً وخدماتیاً دفاعاً عن سوریة في مواجهة المؤامرة الصهیونیة والرجعیة العربیة، وما هي تداعیات هذا الدور؟!.
هنا أرید أن أضیف شیئاً إلی ما یجده القاریء في الكتاب، أراه مهماً یجب التنبّه الیه، ویجب أن یسجّل للتاریخ في ردّ علی من یقول إنه تمّ استهداف سوریة بسبب علاقاتها مع إیران، وبسبب دعمها لحزب الله وللمقاومة، بمعنی أنّ سوریة تدفع ثمن كونها عضواً في محور المقاومة، طبعاً الذین یطرحون هذه الإشكالیة نسوا أو تناسوا أنّ سوریة بمعزل عن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة وحزب الله والمقاومة كانت ومازالت صاحبة مواقف مستقلة وثابتة في القضایا المهمة الإقلیمیة، وعلی رأسها القضیة الفلسطینیة، والدور الأمریكي المخرّب في المنطقة، هذه المواقف تعود بتاریخها إلی ما قبل وقوع الثورة الإسلامیة، وقبل تأسیس الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، وقبل تأسيس حزب الله، وتشكيل محور المقاومة، فلا یمكننا نسیان مواقف سوریة بقیادة الرئیس الراحل حافظ الأسد تجاه القضية الفلسطينية، ومجابهته للكیان الصهیوني، واعتباره شرّاً مطلقاً للبشریة كلها، ونظاماً توسعياً عنصرياً، بل هو أكبر خطر تواجهه الأمة العربیة لما يمثله من قاعدة فكریة وعقائدیة للفاشیة.
سوریة كانت تعتبر وبلسان الرئیس الراحل حافظ الأسد أنه لولا الدعم الأمريكي المستمر والمتنوع والمتصاعد سياسياً وعسكرياً واقتصادياً لما كان بإمكان “إسرائيل” أن تعتدي وتتوسع داخل أراضي الدول العربية المجاورة.
إن عمرَ هذه المواقف المبدئية ومواقف أخری بالسیاق نفسه هو أكبر من عمرِ الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، ولیس لدي أي أدنی شك أنه یتمّ استهداف سوریة بسبب هذه المواقف الجریئة بمعزل عن وجود النظام الإسلامي في إیران، وبمعزل عن وجود حزب الله ومحور المقاومة.
وفي الختام ونحن علی أعتاب الذكری السنویة لرحیل الرئیس حافظ الأسد مؤسس الاستقلال السیاسي لسوریة، نثمّن عالیاً مواقفه المبدئية والثابتة التي ارتقی من خلالها موقع سوریة سیاسیاً، والتي استمرت هذه المواقف دون تغییر بعد رحیله تحت قیادة الرئیس بشار الأسد، كما لا يخفى علی أحد بأنّ تطابق وجهات النظر بین قیادتي البلدین والتوافق في المواقف أسّس لعلاقات استراتیجیة بین إیران وسوریة تطور یوماً بعد یوم إلی أبعد ما یمكن لأیة علاقات أن تتطور، حیث امتزج الدم الإیراني بالدم السوري دفاعاً عن حلیف استراتیجي لإیران، صحیح تمّ استهداف سوریة بسبب تحالفها مع إیران والمقاومة، ولكنه من الحقيقة أیضاً أنه تمّ استهداف سوریة بسبب مواقفها المستقلة.
ختاماً، كم كان سوق النشر بحاجة إلی مثل هذه الانتشارات القيّمة، هذا الكتاب: “إیران وسوریة عناق البنادق والشرف” بمضمونه الغني استطاع أن یملأ فراغاً كبيراً، ويجيب عن تساؤلات دون جواب، آمل أن یكون نشر هذا الكتاب مقدمة لأقلام أخرى تبرع أيضاً في هذا السیاق.