الرمزية الملونة في قصة “بابا مونه”
“وفي وسط الليل، استيقظ الجميع على أصوات مزعجة عالية، حيث كانت الغربان تنعق، بينما كانت صيحات الألم والاستغاثة تصدر من أعشاش العصافير” بهذه الرمزية الملونة أشرك الكاتب محمد منذر زريق الأطفال بملامح الحرب الإرهابية على سورية مع رسومات الفنان فادي كيوان، في قصة بابا مونه بعد أن اختار العصافير أكثر الطيور المألوفة قرباً من الأطفال لما يحملونه من قيم جمالية وإيجابية لتأخذ دور شخوصه ضمن مسار أنسنة العصافير فتدور الأحداث بصوتهم، فبنى عالماً افتراضياً يقارب الأحداث التي شهدها الواقع من حيث الاعتداءات والاشتباكات والتهجير من خلال الدلالات ورمزية المكان والشخوص واللون والزمن، فكانت الغابة رمزاً للحياة والشجرة الكبيرة رمزاً للمدينة والأعشاش على الأغصان رمزاً للمنازل، وعبّر عن الإرهابيين بالطيور السوداء ذات الأجنحة الكبيرة “وفجأة ظهر جناحا طائر كبير أسود يرفرفان بقوة فوق العشّ”.
دمج الكاتب بين خاصية النصّ القصصي الموجه للأطفال بالاعتماد على الوصف كركيزة أساسية في بناء المتن الحكائي، وفي الإيحاء برمزية المكان التي تعكس روح المدينة فالشمس مصدر الطاقة للحياة كانت ساطعة وزقزقة العصافير تسمع في أرجاء الغابة، ليدخل خاصية الحوار مع السرد القصصي بتصاعد الأحداث، من خلال عائلة العصافير الصغيرة” بابا مونه وماما سونة وبيبو وزيزو وفيفي”.
عمل الكاتب على محاكاة الواقع بوصف الحياة الآمنة في الغابة قبل أن يهاجمها الإرهابيون برمزية الطيور السوداء، فوصف حالة تعلّم العصافير دروس الطيران وإشراف الأب على تدريباتهم، ومن ثم مشاركتهم بمسابقة الطيران، التي توحي بأهمية تعلم المسؤولية الفردية، وتعمق الكاتب بوصف العلاقة الحميمة بين الأب والأم والعصافير دلالة إلى الروح الدافئة التي تجمع أفراد الأسرة في وطن آمن” اقتربت ماما سونة بعنقها من عنق بابا مونه، وأدخلت منقارها اللطيف في ريشه الملون، وهمست: سأقوم بتنظيف العش وترتيبه، بينما تتابع أنت تعليم الصغار دروس الطيران”.
تنقلب الأحداث رأساً على عقب باندلاع الحرب الإرهابية والاشتباكات والنزوح والتهجير القسري فقارب الكاتب بين الحدث الواقعي وبين العالم الافتراضي الذي يعيشه العصافير، بهجوم الطيور السوداء على أعشاشهم وإثارة الرعب في الغابة، وإجبار العصافير على ترك مكانهم والتخلي عن أعشاشهم، ومن ثم اختفاء الأب، فصوّر الكاتب ما حدث فعلاً من خوف وذعر وتخبط تقابلها حالة تلاحم اجتماعي وتضافر كل الجهات باستضافة العصفور الطيب العائلة “ستبيتون معنا في عشنا المتواضع كي لاتصابوا بالبرد، وفي الصباح سنرى سوية ماذا نفعل؟” ومن ثم البحث معهم عن الأب مونة، لتنتهي الأحداث باستشهاد الأب ومقاومة العصافير. وقد شاركت الرسومات المرافقة للجمل المكتوبة بدور كبير في فهم الأطفال القصة وشدهم إلى أحداثها من خلال حركة العصافير، والتركيز على المنقار والأجنحة وعلى اختلاف ألوانهم المثيرة والمحرّضة على اكتشاف الفروقات بين الخير والشر. وتعدّ هذه القصة جزءاً من المشهد الثقافي بألوانه الذي أشرك الأطفال بالحرب الإرهابية.
ملده شويكاني