مسلسل احتراق المضخات الغاطسة مستمر.. وتقارير اللجان الفنية المختصة في غياهب الأدراج!
يبدو أن التستر على الأسباب الفنية الحقيقية قد يكون أحد الأجوبة عن التساؤلات المطروحة حول الاحتراقات المتكررة للمضخات الغاطسة للآبار الارتوازية، خاصة أنه خلال سنوات الأزمة كان الجواب يتغطى بمظلة التقنين، وسوء التيار الكهربائي، أي ترحيل المسؤوليات دون معالجة حقيقية للمشكلة، فكانت النتيجة ما يقارب مليار ليرة سورية تتكبدها المؤسسة سنوياً في عمليات الإصلاح الفوضوي والعشوائي، ونقل المياه بالصهاريج، واستهلاكات الرافعات، وجهود العاملين، واهتراء الكابلات نتيجة عمليات السحب والتنزيل، واستهلاكات المازوت لتشغيل المولدات تحت ذريعة عدم جودة التيار الكهربائي، وشراء المستلزمات عن طريق الشراء المباشر تحت بند عاجل وطارئ وضروري!.
المضحك المبكي
في جولة على آبار المياه في السويداء يدرك الباحث عن الحقيقة حجم الأموال الموضوعة لقاء تجهيز تلك الآبار بالتجهيزات الفنية والتقنية اللازمة، هذا من حيث الشكل الذي يبهر كل من يحاول الإشارة إلى أداء المؤسسة، ولكن لو خضنا بالمضمون قد يكون كتاب دائرة الحفاظ على الطاقة الذي يحمل الرقم 1272 تاريخ 28/2/2018، والذي جاء تأكيداً لتقرير اللجنة المشكّلة من قبل المحافظ بالأمر الإداري رقم /1501ق/10/1 تاريخ 1/7/2017، كافياً لتوضيح مجموعة من الحقائق التقنية التي غُيبت عمداً لغايات في نفس مجموعة من المنتفعين في مديريات المؤسسة، أو كما وصفهم وزير الموارد المائية في أحد الاجتماعات بقاعة المحافظة بالحيتان والأسماك، ومع ذلك مازالوا يسبحون في مياه تلك المؤسسة تحت حماية وكلاء الدفاع عنهم الذين تلقوا توجيهات التغيير، إلا أن تلك التوجيهات كان مصيرها كمصير المضخات الغاطسة لجهة الاحتراق، وإن كان الفرق أن المضخات تحترق بسبب عدم جدية معالجة أسباب احتراقها، أما التوجيهات فتحترق بغايات ومصالح داعمي وشركاء المنتفعين ذاتهم في أروقة اتخاذ القرار، طبعاً ليس المقصود فقط من يتخذ القرار في المؤسسة ذاتها، بل ينسحب على مستويات أعلى في الإشراف، والتخطيط، ورصد وصرف الميزانيات!.
آذان صماء
رغم أن الخوض في بعض التفاصيل الفنية والتقنية يبدو معقداً، خاصة بالنسبة لغير المختصين، إلا أنه لابد من طرح بعض النقاط الفنية علّ الجهات المعنية تخرج من قوقعة الإجابات السطحية الجاهزة، وتدخل في عمق المعالجة، يقول المهندس أكرم أبو راس، رئيس دائرة الحفاظ على الطاقة في المؤسسة: إنه لدى قيام مهندسي الدائرة بعدد من الجولات الميدانية على الآبار التابعة للمؤسسة من أجل إجراء دراسات خاصة بالدائرة وجدوا أن احتراق المضخات الغاطسة كان لعدة أسباب، أولها يتعلق بالعازل الكهربائي للكابلات الذي تعرّضت أجزاء منه للتلف نتيجة عدم التعامل معه بالشكل الصحيح، وهذا يؤدي إلى تسرب جزء من التيار الكهربائي مباشرة إلى الأرض، ويؤدي إلى عدم توازن الأطوار الثلاثة المغذية للمحرك، وهي ذات شكل بيضوي (اهليلجي) بدلاً من الساحة المغناطيسية الدائرية المنتظمة، وبذلك تتولد مركبات لساحات مغناطيسية تعاكس جهة الدوران، وتؤدي إلى إجهادات كهربائية في ملفات المحرك تؤدي إلى تسخينها وحرقها، بالإضافة إلى الأخطار على العاملين، والمتواجدين، وحتى الحيوانات التي تتواجد صدفة في الموقع، وهذا قد حدث فعلاً في آبار صلاخد، حيث صعقت خمسة أو ستة رؤوس من الغنم وماتت، وذلك حين اقترابها من الكابل العائد للمؤسسة، واقتصرت النتيجة على المواشي.
كلام رئيس دائرة الحفاظ على الطاقة يدل على الاستهتار في عمليات التركيب أثناء تنزيل البئر، وعدم معالجة الاهتراءات فيه، وذلك بواسطة تكتيمه بالمواد المخصصة، وبالتقنيات المعروفة!.
عدم التوازن
ومن الملاحظات الهامة التي أشار إليها أبو راس عدم التأكد من سلامة لف المحركات المحترقة، ما أدى إلى عدم توازن في استجرار التيارات الثلاثة في كل لف، ودليل ذلك أن قراءات مقاييس الأمبير الثلاثة المركبة على لوحة التحكم والتشغيل للمضخات في بعض الآبار غير متساوية، وقد يصل الفرق فيما بينهما أحياناً إلى ما يزيد عن الـ 50 “أمبير”، وأكد على أهمية فحص المضخات بعد إصلاحها من حيث سلامة اللف، واتزان البروانات والمحاور، وإخضاعها للاختبارات اللازمة قبل إعادة تركيبها في البئر.
ومن الأسباب التي تحدث عنها رئيس دائرة حفظ الطاقة عدم إجراء الدراسة لمعالجة هبوط الجهد لكل بئر على حدة، وعدم الاستثمار الصحيح لخطوط خارج التقنين التي نفذت سابقاً من قبل المؤسسة، والتي تعطي المناورة الفنية بتشغيل وإطفاء بعض الآبار لرفع الجهد المناسب للعمل، وكذلك عدم إجراء الصيانة الدورية للوحات التشغيل والقيادة للمضخات، وعدم التدقيق في قيم التجهيزات المستبدلة، ومعايرة أجهزة الحماية، والتأكد من سلامتها، وعدم تركيب كثير منها مثل حماية مانع الدوران على الناشف، وحماية حساس ارتفاع درجة حرارة محركات المضخات!.
حلقة مفقودة
كلام أبو راس هذا قد يكون جواباً عن التساؤل الأهم حول إصلاح الغاطسات التي كبدت المؤسسة العام الماضي ما يقارب 400 مليون ليرة سورية، يضاف إليها نحو 300 مليون أجور نقل مياه بالصهاريج جراء أعطال تلك الغاطسات، وأكثر من 300 مليون تبعيات تلك الاحتراقات.
إذاً الخبرات الفنية في مؤسسة المياه تشير بشكل واضح إلى سوء عمليات الإصلاح، وكذلك عدم المتابعة الحقيقية والجادة لمتعهد الإصلاح الذي تصر الوزارة على استمرار التعاقد معه، رغم إبداء العديد من الجهات في المحافظة رغبتها وقدرتها الفنية للقيام بتلك الأعمال، ولكن يبدو أن الغايات ذاتها مازالت تسيطر، فهل سيستمر هذا المسلسل من الفوضى، وحالة الشك التي تخيم ليس في الشارع العام بالمحافظة فحسب، بل داخل المؤسسة ذاتها، ومن قبل الخبرات الفنية والتقنية فيها، وكل أصابع الاتهام تشير إلى حالة ارتباط بين عدد من موظفي المؤسسة، وجهات مسؤولة تضمن استمرار الحال على حاله؟!.
المسلسل مستمر
أحد الحلول المقترحة كان في إحداث خطوط كهرباء مستقلة خارجة عن التقنين، وبدأت أول التجارب في تجمع آبار محطة الثعلة بمركز التحويل الرئيسي الموجود في شركة الكهرباء، والذي سمي فيما بعد (خط خارج التقنين)، وذلك لما لهذا الخط من ميزات من عدم انقطاع القدرة، والمحافظة على التوتر المسموح المحدد للتشغيل الآمن، ويعطي المؤسسة حرية المناورة بتوقيف بئر من آبار التجمع، مع بقاء باقي الآبار عاملة، وذلك يكون لرفع توتر كي يصل إلى القيمة المطلوبة للتشغيل.
ومع ذلك، وعلى سبيل المثال الآخر، قامت شركة الكهرباء بربط منشأة صناعية (مقص حجر) خاصة على الخط خارج التقنين العائد لآبار عتيل قنوات مفعلة، وهذه المنشأة ذات استهلاك للقدرة تعادل ثلاثة آبار أو أكثر، وبهذا فقد استفادت من الميزات (المذكورة سابقاً) التي ابتغتها المؤسسة لآبارها، وكانت نتائج ذلك شديدة السوء على المؤسسة، حيث عادت المشاكل في الآبار من انخفاض التوتر على هذا الخط عن الحدود المسموح بها، واستحالة الاستفادة من الميزات الأخرى، مضافاً لذلك حدوث حالات عابرة: (رجفات أو غصات كما هو متعارف عليه) على هذا الخط أثناء إقلاع المحركات الكبيرة لمقصات الحجر، وخروج الآبار عن العمل حتى انتهاء العمل في المنشأة الخاصة، وكذلك خروج الخط عن تأدية الحالة المرجوة له باستقرار عمل الآبار، وأصبحت المؤسسة تبحث عن الحلول، كما لو أن هذا الخط لم يكن موجوداً، وبالنتيجة استمرار العطش بهذه القرى!.
طبعاً في هذه الحالة ليس اجتهاداً التساؤل عن أسباب ربط منشأة خاصة بخط خارج التقنين، وما هي الميزات التي يملكها صاحب المنشأة حتى حصل على هذا النوع من الامتياز؟!.. قد يكون الجواب فنياً وتقنياً، وهو أحد قوالب الإجابات الجاهزة التي اعتاد المعنيون التبرير من خلالها، ولكن لا شك في أن ما خفي أكبر بكثير من تلك القوالب والمبررات؟!.
الحلول في الأدراج
المكتب التنفيذي للمحافظة قام بتشكيل لجنة لدراسة واقع المياه في المحافظة مكونة من أربعة عشر عضواً، معظمهم مهندسون مختصون، وحقوقيون، وخبراء، وقامت اللجنة بالبحث في تطوير الواقع المائي، وتطوير أداء الآبار، وتخفيف الأعطال، وزيادة العمر التصميمي للتجهيزات الميكانيكية والكهربائية المركبة فيها، واقتراح الحلول لتطوير أداء الجهات العاملة في هذا المجال، ورفع سوية وجودة العمل الإداري والفني، وكذلك اقتراح الحلول للنهوض بالكادر الفني، وتأهيل الكوادر البشرية بما يضمن رفع سوية الأعمال الفنية والتقنية في المحافظة، كما تقول عضو المكتب التنفيذي المهندسة سها الجرماني التي بيّنت أنه تم رفع كافة الحلول والمقترحات للوزارة، ومنها طرق معالجة أسباب احتراق المضخات الغاطسة، والتي أكدتها دراسة دائرة الحفاظ على الطاقة في المؤسسة، ولم يتم تحريك أي ساكن، ومازال الوضع على حاله، والحلول في أدراج المعنيين بالحل؟!.
مسلسل الهدر مستمر
هذا هو مسلسل الحلول السريعة والعاجلة والطارئة التي سمحت الأزمة وما تحمله من شمعات ومبررات للعمل بها، مسلسل يبدو أنه سيبقى مستمراً طالما ذهنية العمل هي ذاتها، والأخذ بمقترحات المختصين التي تعتبر من مسلمات العمل لديهم دون تكاليف تذكر، والتي تساهم في تلافي وقوع الأعطال، والتي تكبد المؤسسة أموالاً طائلة، وبالتالي لابد من وقف المآسي الواقعة من جراء التكرار غير المبرر الذي لم يكن يذكر في السنوات السابقة لاحتراق المضخات في آبار المؤسسة، ووقف النزيف الهائل للمال العام القائم حالياً فيها، وهدر الوقت، واستنزاف جهود القوى العاملة دون جدوى، وفي النهاية توفير الإمكانيات والمخصصات بإحداث مشاريع مائية جديدة تساهم في توفير مياه الشرب للمواطنين في الوقت الحالي والمستقبلي.
ومعلومة الختام تقول بأن مخصصات المؤسسة تصل إلى نحو ستة مليارات ليرة سورية تقريباً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن المؤسسة لا تدفع فواتير الكهرباء المترتبة عليها التي تزيد عن 2 مليار ليرة سورية، إضافة إلى ما تقدمه الجهات المانحة، ومع ذلك مازلنا نستجدي تلك الجهات لحفر بئر هنا، أو وضع خزان مياه هناك، أما هذه المليارات فهي لإصلاح الغاطسات، ونقل المياه بالصهاريج، ونفقات مرافقة، باستثناء بعض الآبار التي تقرر حفرها من باب حماية ماء الوجه، فهل تقول الوزارة كلمتها، أم ستبقى الأعين مغمضة؟!.
رفعت الديك