كم هو خطرك الاقتصادي كبير أيتها السيجارة
لعقود خلت والتحذير الصحي من مخاطر التدخين يتكرر محلياً وعالمياً، وشهد قطرنا تنظيم الكثير من الندوات الصحية بهذا الشأن، عبر أكثر من منبر، وعبر أكثر من وسيلة إعلامية، وصدرت عشرات التشريعات التي تقضي بمنع التدخين في الأماكن العامة، وفي مكاتب العاملين وردهات الجهات الرسمية، وتم تعيين أماكن خاصة للتدخين ضمن كل جهة، وتكليف بعض العاملين لمراقبة الالتزام بذلك، واعتمدت السلطات الأعلى طباعة عشرات الآلاف من دفاتر الضبوط، وتسليم دفتر لكل مراقب جهة، وتكليفه بتنظيم المخالفة الواجبة بحق كل مخالف، والتي تقضي بتحميله غرامة مالية حال ارتكابه المخالفة، ولكن الالتزام كان أقل مما يجب بكثير، فسرعان ما انتهى اعتماد الأماكن المحددة للتدخين في بعض الإدارات، وعاد كل يدخن في مكتبه، وفي طليعتهم مسؤولو الإدارة المدخنون على تسلسل مهامهم، ويندر أن تم تنظيم أي ضبط بحق أي مخالف، ولا زالت سجلات الضبوط – والتي كلفت طباعتها يومئذٍ ملايين الليرات – مودعة حيث تم وضعها لأول مرة، منها ما هو في أدراج المراقبين، ومنها ما هو في المستودعات، ولا زال المدخنون في حالة العشق المعهود للسيجارة، رغم العبارات الشديدة التحذير من مخاطره الصحية، والموجودة على علب بعض الأنواع من السجاير، والظاهرة الأكثر خطراً هي انتشار الأركيلة التي يستهويها الشباب الناشئ بكثرة، بما في ذلك الجنس اللطيف.
وخلافاً لما كان متوقعاً أو يجب أن يكون فقد ازداد التدخين ازدياداً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، وازدادت عدد المحلات التجارية التي تبيع الدخان، بل إن كثيراً منها تخصَّص في بيع مادة الدخان فقط، أو في بيع الأركيلة ومتطلباتها، ومثل ذلك موجود في جميع أحياء المدن، وكثير من القرى الكبيرة، والطامة الكبرى أن كمية الدخان القادم من الخارج تشكل نسبة غير قليلة، وبعضه يدخل القطر من وراء الجدار الجمركي، عدا عن الشكوك في مكونات بعضها، ولذلك محاذير كبيرة، على صحة المواطن واقتصاديات الوطن، ونفقات كبيرة يتحملها المواطن المدخن، رغم شكواه المتتالية من ضعف الدخل.
بعض الأسر ليس فيها مدخن، ولكن في كثير من الأسر يوجد أكثر من مدخن، وباعتبار وسطي مدخن واحد في كل أسرة، يكون لدينا قرابة أربعة ملايين مدخن، باعتبار أن عدد الأسر السورية هو حوالي أربعة ملايين أسرة، وحتى ولو اعتبرنا وجود مدخن واحد في كل أسرتين، انطلاقاً من كثرة عدد الأسر التي ليس فيها مدخن، وقلة الأسر التي يوجد فيها أكثر من مدخن، يكون لدينا قرابة مليوني مدخن، وكل منهم يستهلك بشكل وسطي علبة سجاير واحدة (بعضهم قد يستهلك علبة واحدة أو أقل، في حين بعضهم يستهلك أكثر) يراوح سعرها بين /200- 600/ ل.س، وفي حال تنبهنا إلى أن الأغلبية يدخن من نوع السعر الأدنى، والبعض يدخن السيجارة ذات الكلفة الأقل تلك التي يلفها بيده، واعتبرنا الـ/200/، هي متوسط سعر العلبة فهذا يعني أن مليوني مدخن يحرقون من التبغ بقيمة /400/ مليون ليرة سورية يومياً، وقد يكون من الصعوبة بمكان معرفة كم سيترتب على ذلك من علل وأمراض ينجم عنها تحميل الأسرة نفقات إضافية أخرى، والغريب في الأمر أن بعض الأطباء المعالجين هم من المدخنين.
أما ما يتحمله الاقتصاد الوطني نتيجة ذلك، فهو خارج حسابات الكثير من المواطنين، أكان نتيجة خسارته الرسوم الجمركية الواجبة الاستحقاق على الدخان المهرب، فيما لو دخل نظامياً عبر البوابات الجمركية، أو نتيجة تخفيف نفقات الطبابة المجانية الكبيرة، التي تتحملها الدولة -عبر مؤسساتها الصحية المنتشرة على كامل مساحة القطر- والناجمة عن المعالجة اليومية لعشرات الأمراض التي يسببها التدخين، أليس من الأجدر أن تكون هذه الملايين موجهة لبناء منشآت إنتاجية للمواد الغذائية، فهل من يتوقع أن المواطن السوري قد يستفيق يوماً ما من غفلته ويعزف عن التدخين تدريجياً، وأليست الهيئة العامة لشؤون الأسرة وبقية المنظمات وهيئات المجتمع الأهلي معنية بالعمل في هذا الاتجاه؟! وهل من يعي ضرورة أن يكون أولو الأمر هم السباقين والقدوة في تطبيق التشريعات الصادرة عنهم في هذا الشأن، وأليس من الضروري أن تعتمد وزارة التربية سياسة تضمن عدم تعاطي مدرسيها للتدخين طيلة الدوام الرسمي، ما يشجع طلابها على التقيد بذلك، وأن تكون كل ثانوية مستعدة لتنظيم احتفال سنوي نهاية كل عام، يتضمن تحديد نسبة المدخنين من مدرسيها ومن طلابها، وتتبارى الثانويات بالنسب الأقل، وتعطى جائزة كبيرة للثانوية التي لا مدخن فيها، ومن ثم جائزة متوسطة للثانوية الأقل نسبة، وتوزع هذه الجوائز على الطلاب المتفوقين، بغية أن يشكل ذلك مدخلاً لتشجيع الجيل الناشئ باتجاه العزوف الاختياري عن التدخين.
عبد اللطيف عباس شعبان /عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية