توفيق أحمد..لغة شعرية مبتكرة
ستة مجموعات شعرية هي نتاج الشاعر توفيق أحمد، صدرت عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة السّورية للكتاب, تقع في 479 صفحة من القطع الكبير. قصيدة توفيق الطازجة من حيث روحها الأولى, ومن حيث اشتغالها على لغة صافية وضمن هذه اللغة المشكلة بتعب واجتهاد لا يخلوان من معرفة عميقة بها, قصيدة تخلص لكل شيء من الذات وانتهاء بالمرأة كدال وطرف قوي في معادلة الحياة, طرف مرجح ومغر, ومع أن المرأة علامة فارقة وواضحة في سياق التعرف إليها واكتشافها في بعدها الميتافيزيقي, والكتابة عنها وفيها تحتاج إلى معرفة هذا الكائن الحساس والجارح في الوقت نفسه ومن داخله المغلق, إن الشاعر توفيق يعرف هذا المغيب في حسابات الآخر ويقيم العلاقة المثلى مع هذا الكائن عندما لا تبقى المرأة الجسد أو المرأة بحضورها الفيزيولوجي.
إذا كان العنوان عتبة دالة للولوج إلى عمق النص والمفتاح الحقيقي له, فإن العنونات التي اشتغل عليها الشاعر بعناية فائقة وعبر إستراتيجيته الشعرية، عنونات منسوجة من متن شعري متعالق مع نبض قصيدته, هذه العنونات التي تمهد لإيجاد مفاتيح ذات مداليل إنسانية ومعرفية وشاعرية تؤسس لمشروع: ” أقفال” تشبه قفل الباب, شعرية ليست بالصعبة أو تلك التي تحمل تراكيب معقدة ومطلسمة, وفي ذات الوقت هي لا تندرج تحت ما يسمى السهل الممتنع, إذ من السهل على المفتاح فتحها, وليكن إذا ما اعتبرنا المفتاح هو القارئ, والقفل هو القصيدة, ليكن الدخول إذا إلى القصيدة سهلا في البداية, الدخول إلى عنوان كل قصيدة, ولكن ماذا سيحدث بعد هذا العنوان السهل, سنجد خلف السهل هذا ثمة كمائن شعرية منصوبة بنوايا حسنة تتصالح مع الناوي بهدنة مؤقتة لحين ما. قصيدة الشاعر أحمد تتمتع بذاك المس المخفي والظاهر بذاك المعلن والمخفي, بالذي يقال ولا يقال, وبالذي يبدو للوهلة الأولى مشهدا يلامس اليومي في حياة الكائن البشري, المنتمي لوجع الحياة وقسوة زمن رديء, زمن رمادي يتقاطع مع ما هو ضبابي.
يقول: “مقلق وجه أمّي/ ويشهد هذا النبيذ / ويشهد غيم الرصاص على النخل والأمة الناضبه قرأت على النبع فاتحة الغيم / كان سجينا بأوهامه فانبجس”
مشروعه الشعري, مبني على أساس متين, فهو ابن شرعي وحقيقي للقصيدة هو الطالع من بيت القصيد العربي المشهود له بالقدم والأصالة, هو الطالع من عامود الشعر العربي الأصيل من قصيدة الشطرين, إلى قصيدة التفعيلة مرورا بقصيدة النثر: “ماذا تركت لعاشق تعب/غير احتمال التيه واللّهب / قلبي شروط العشق يعرفها فمتى إذا شوقي يغرر بي / شفتان أعرف أنّ خمرهما/ يحتاج أحياناً إلى عنبي”.
لاشيء يفعله الشاعر توفيق أحمد سوى ذاك البوح, الذي يتحد مع نسمة عابرة في ليلة ظلماء ليلثم ستارة الانتظار, هل بوسع القصيدة أن تفعل ذلك المفعول الساحر القريب من الإنساني, القريب من مرايا وجوهنا التي هدها التعب، أي سحر وأي مس. يقول: “قمر ونصف زجاجة وكتاب/ أنا بالذي أحياه لا أرتاب / في كل زاوية لديّ حكاية / وسؤال عشق غاضب وجواب.”.
يمارس الشاعر لعبة اللغة بمداورة المعنى في حده الأقصى, وذلك باستنهاض المفردة الشاعرة (تزويدها) لتكون الشاهد على الداخل في علاقته مع الخارج, والخارج متلق ينقسم إلى شطرين أحدهما متلق نقدي يبدأ من الشاعر نفسه باعتباره الناقد الأول لنصه الشعري, ومتلق ذائقي يتقاسمه الشاعر مع قارئه باستحضاره وعدم تغييبه: “لاتكسر الناي كن صوتاً ورجع صدى – لجدول كان يوما يعشق البلدا / لاتكسر الناي لاتترك أصابعنا – تضيع فوق تفاصيل الجراح سدى”
سيقرأ الشاعر هنا في: (الأعمال الشعرية) كشاعر استطاع أن يوظف لغة شعرية مبتكرة, لغة سلسة وأخاذة لغة خاصة بقاموسه الشعري الذي لايشبه أحدا سواه, إنها بصمته الخاصة وصوته الشعري الخاص به, هذا الصوت الحامل لقضية إنسانية وحزن خصيب وبوح يشبه بوح ملاك المحبة على أرض الله.
هذه (الأعمال الشعرية) التي قرأناها بكثير من الشغف وبمودة غير مستعارة وتفاعلنا معها, ووجدنا ذواتنا الجريحة والمسكونة بالألم الدفين, أو بذاك الأمل الذي نرنو إليه, أو تلك المرأة الحلم المرأة المستحيلة أو التي هي قرب نوافذ قلوبنا، لن تمر مرور الكرام بكل ما أثارته من شغف وحزن وفرح وأمل, في هذه الأعمال الشعرية يثبت لنا انه شاعر متمكن ومعني بأداة حادة وناقدة ومتحفزة يحسب لها أنها استطاعت أن تخرج الفكرة من حيز الغائب إلى حيز الحاضر.
أحمد عساف