مذكرات عفيف البهنسي
يلخص كتاب “مذكرات عفيف البهنسي” إعداد وحوار الناقد سعد القاسم وهو من منشورات وثيقة وطن ضمن سلسلةٍ تصدرها المؤسسة، تكريماً للأعلام الذين أسسوا للثقافة السورية وكان لهم أثر كبير على تطويرها مسيرةً غنيةً وحافلةً لشخصية سورية كانت لها أيادٍ بيضاء على الثقافة السورية بشكل عام، والثقافة الفنية التشكيلية بشكل خاص، وبيَّن القاسم في مقدمة الكتاب أنه أُعِدَّ بالاستناد إلى جلسات حوار مسجلة مع د.بهنسي خلال أشهر شباط وآذار ونيسان وأيار 2017 بلغت نحو عشرين ساعة، وإلى وقائع وشهادات معاصرين، وقد توفي صاحب السيرة قبل إنجاز العمل بأشهر.
قامة ثقافية
يشير القاسم إلى أن تكليفه من قِبل د.بثينة شعبان رئيس مجلس أمناء مؤسسة وثيقة وطن بإعداد هذا الكتاب ضمن سلسلة من الكتب التي تزمع المؤسسة إصدارها، تكريماً للأعلام الذين أسهموا في تطوير وتفعيل ثقافة الوطن من خلال تسجيل تاريخهم الشفوي كان مفاجأة سعيدة تحوّلت إلى مشاعر اعتزاز عميقة عندما أخبرته د.شعبان أن د. عفيف بهنسي هو من اقترح اسمه حين مفاتحته بالمشروع.. من هنا سعى القاسم مدفوعاً بكل المشاعر الطيبة التي يحملها لأستاذه وبكل الإحساس بالمسؤولية الثقافية للإحاطة بجوانب تجربته الثرية على خلفية واقع الحياة السورية، وقد استلزم الأمر قراءته لعدد كبير من النصوص والحوارات وجلسات تسجيل في بيت الراحل بهنسي في شارع الروضة الذي عاش فيه مع أسرته منذ العام 1970 والذي يتضمن مكتبته العامرة ومرسمه المليء باللوحات الفنية، ففي هذا البيت المحاط بالحدائق والزهور والمُجاور للمراكز الثقافية والسفارات الأجنبية والعربية والمتاخم لشارع الجلاء (أبو رمانة) كان حوار القاسم معه الذي استمر بضعة شهور شكّلت بحد ذاتها ثمرة هذا الكتاب الذي أطلق عليه عنواناً منسجماً مع أهدافه: “وثيقة وطن.. في تراث عفيف بهنسي” موضحاً القاسم أنه حاول أن يعرض أجوبة بهنسي بالصيغة التي تحدث بها، متمنياً أن يكون هذا الكتاب قد نجح بالإحاطة بسيرة هذه القامة الثقافية السورية العربية والعالمية التي يتجسد عملها اليوم بعشرات الشواهد الآبدة في الفن والفكر والعمل الأثري والمتحفي.
تاريخ الفن والعمارة
تعود معرفة القاسم بـ د. بهنسي إلى سنوات الطفولة الأولى، فقد كان أول اسم رُسِّخ بذاكرته مقترناً بالفن التشكيلي السوري حين وقعت عيناه في مكتبة جدّه -وهو في الصف الأول الابتدائي- على كتابه القيّم “الفنون التشكيلية في الإقليم السوري” ولم يكن بطبيعة الحال قادراً على قراءة محتواه، لكن الرسومات والرسامين فيه أثارت اهتمامه كثيراً وحفظت ذاكرته بعضها وحفظ اسم المؤلف الذي تكرر أمامه مراراً.. وبحكم ما سبق وسواه كان القاسم يعرف أن د.عفيف بهنسي هو المسؤول عن الفن التشكيلي في الإقليم الشمالي السوري من الجمهورية العربية المتحدة، وفي وقت لاحق شاهد بعض أعماله النحتية وقرأ اسمه على كتب ومقالات، غير أن علاقته الحقيقية مع مؤلفاته بدأت في العام 1974 ففي ذلك العام عقد العزم على الانتساب إلى كلّية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، وكان يعوزه الكثير من المعلومات حول المدارس الفنية والفنانين، وبشكل خاص حول المسار التاريخي للتطور الفني، وحين طلب المشورة اقترح عليه كتاب “تاريخ الفن والعمارة” لبهنسي باعتباره أفضل كتاب باللغة العربية يمكنه تقديم المعلومات التي يرغب بها.
المنجزات الآبدة
تحدث القاسم في الكتاب عن طفولة بهنسي والمدارس الأولى التي درس فيها وتخرّجه من دار المعلمين وكلية الحقوق، ومن ثم دراسته في فرنسا، وكذلك عن عمله الإداري والتعليمي في وزارة الثقافة (مديرية الفنون الجميلة، المعهد العالي للفنون المسرحية، نقابة الفنون الجميلة) وعمله مع المنظمات الدولية، كما سلّط الكتاب الضوء على المنجزات الآبدة التي ساهم الراحل بإنجازها: تمثال عدنان المالكي وصرح الجندي المجهول وبانوراما حرب تشرين التحريرية.
وختم الكتاب بكلمة للراحل بهنسي قال فيها مخاطباً القاسم: “أنا سعيد جداً أن تكون محدثي فيما يتعلق بهذا الكتاب الذي أتوسم أن يكون مصدراً هاماً لتاريخ هذا الوطن، ولكل إنسان الحق في أن يفتخر بوطنه لأنه عاش على أرضه وفي ظل سمائه، ولذلك فإن حديثي الذي سجلتُه مع الأستاذ سعد القاسم هو حديث من شاهد ومن فعل ومن اشتغل ومن ساهم في إعادة رسم وثيقة هذا الوطن، سورية”.
وشكر بهنسي في نهاية كلمته سعد القاسم لأنه وجده يلمّ إلماماً كاملاً بتجربته، وكانت كل أسئلته مساعدة له كي يعبّر عما شاهده وفعله، مؤمناً أنه بهذا الكتاب سوف يكون مستمراً في الحياة وأنه لن يموت ما دام هناك من سجل تاريخ حياته بهذا الشكل.
أمينة عباس