وزارة السياحة تسجل انفرادة عجيبة بتحفظها على مواد مشروع قانون الاستثمار كافة دون استثناء..!
في التحاليل الطبية وفي مرحلة ما بعد أخذ العينة (دم أو خزعة.. إلخ)، يتم إجراء الاختبارات، ومن ثم كتابة النتائج وفق جدول محدد النسب (البوزتيف والنقتف.. والميديوم)، وإن كان هناك نتيجة أو نتائج (بوزتيف) يعني أن هناك عاملاً ممرضاً سواء كان عادياً أم خطيراً – أبعد عنكم السقم – يكتب بجانبه (هاي) وبالخط الغامق..! ما استهللنا به ليس المراد، فالكل بات يعرف ذلك أو الأغلب، لكن مرادنا سنشير إليه بالبنان صراحة، لنترك للقارئ سواء كان اقتصادياً أو استثمارياً أو مالياً متخصصاً أو عادياً، البحث عن إجابة مقنعة لما سجلته وزارة السياحة من دون كل الوزارات والجهات من هيئات ومؤسسات، حول مشروع قانون الاستثمار الجديد، الذي تمت مناقشته، وكما علمنا أنه حالياً في مرحلة مسودته النهائية..!
“سياحة الوزارة” كانت الوحيدة التي لم تكتفِ بتغريدها خارج السرب، ويا ليتها فعلت، بل ذهبت أبعد من ذلك كثيراً حين “غنت على ليلاها” بتحفظها على مشروع القانون بكافة مواده وذلك وفقاً لما هو مثبت في بعض محاضر اجتماعاتها التي حصلت “البعث على نسخة منها..!؟
الآن وبعد هذا التحفظ الذي لم تستثنِ منه “السياحة” أية مادة من مواد مشروع قانون الاستثمار العتيد، الذي أنجزته الإدارة الجديدة للهيئة، فالاستفهام المقرون بشديد التعجب هو: لماذا تحفظت وزارة السياحة..؟! طبعاً نحن ولا أنتم المعنيون بالرد أو الإجابة عن ذلك، وإنما عند “سياحتنا” الرد “اليقين”.
بالتلميح..!
وقبل أي رد أو جواب سيأتينا -إن أتى- ونأمل أن يكون موضوعياً ومتخصصاً، سندلوا بدلونا سريعاً، وبالتلميح لا بالتوضيح، الذي سنتركه -أي التوضيح– لحينه..
بداية نحن من أيدنا وقلنا إن للاستثمار السياحي خصوصية، وبيَّنا ذلك بالأدلة المقنعة اقتصاديا.. لكن ورغم هذا لن نتهم بالتناقض إن قلنا واستناداً لخبرتنا وتجاربنا من أن لكل ظاهر باطناً مطموراً: إن تلك الخصوصية غير مبررة، إن كانت هي السبب الوحيد وراء تحفظ وزارة السياحة…!
بالتلميح نلوح بعقد استثمار فندق إيبلا الشام وقصر المؤتمرات وفق صيغة الـ(B.O.T) الذي يحظى برعاية ومتابعة خاصة -والذي نمتلك نسخة كاملة منه- ولعل ما في جنباته من مضامين قد يكون فيها ما يؤشر لخلفيات تحفظ السياحة، وربما ليس على القانون، وإنما تحفظها على أن تكون هناك مرجعية واحدة للاستثمار في سورية؛ إذ لو تدرون كم “الضرة مرة”، فهي قد لا تبقي أي حلو من المذاق الاستثماري…!؟
يسهروا ويختصموا
سندع التحفظ وحقيقته ونكتفي بذلك حالياً.. لنعرض لما تضمن القانون مما سمي بالمبادئ، التي برأينا إن كُتبت لها أن ترى النور أي ترجمتها بالشكل والمضمون المناسبين، فلا شك أن القانون العتيد، سيعوض السنوات الطوال في ترقب ولادته.
أبرز تلك المبادئ التي شاءت أن تصل إلينا، والتي ربما تكون سبباً آخر للذين يتحفظون.. هي دعم القرار عبر القدرة على رسم سياسات استثمارية قصيرة ومتوسطة وبعيدة الأجل من خلال توفير المعلومات والبيانات الصحيحة والدقيقة اللازمة لاتخاذ القرار، باعتبار أن كافة المشاريع الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة خاضعة لمظلة واحدة ويتم تسجيلها لدى جهة واحدة معنية بالعملية الاستثمارية.
وفوق الدعم يأتي الرصد والتدخل، أي تمكين هيئة الاستثمار من مراقبة السوق المحلي لتدارك حدوث الفجوات الاقتصادية بين العرض والطلب (والتي يصعب لحظها أو التنبؤ بها دون وجود رصد مستمر وشامل لكافة المشاريع الاستثمارية مهما كان نوعها أو حجمها) وذلك من خلال طرح فرص استثمارية تلبي احتياجات الاقتصاد الوطني والقيام بتقديم المقترحات المناسبة المدعومة بالمعلومة الصحيحة والدقيقة.
يقض المضاجع..!
أما الأنكى بنظر الممانعين ضمناً وربما علانية ويقض مضاجعهم الاستثمارية، هو مبدأ التوحيد والتنظيم، أي شموله كافة القطاعات الاقتصادية ذات الاستثمار الحقيقي الذي يحقق القيمة المضافة بما يحقق وجود مظلة واحدة ومرجعية واحدة؛ ناهيكم عن تنظيم العملية الاستثمارية وتأمين متطلبات رسم السياسات الاستثمارية بناء على المعلومات الكاملة عن الحجم والتكاليف والعمالة والقدرة الإنتاجية أو الخدمية للمشروعات الاقتصادية التي يتم تسجيلها لدى الهيئة. وكذلك الوضوح والسهولة في العملية الاستثمارية، من خلال توحيد قوانين وتشريعات الاستثمار وجمعهم تحت مظلة واحدة “بوابة واحدة للاستثمار”.
أما الذي لا نعتقد بوجود أي تحفظ أو خلاف حوله فهو مبدأ تشجيع القطاع الخاص، فالخصوصية دائماً لها نكهة مميزة، وإضافة إلى هذا إعطاء المرونة للمجلس الأعلى للاستثمار لإقرار حزم تحفيزية مالية (ضريبية وغير ضريبية)، وترشيد استخدام الحوافز الضريبية واعتماد سياسات استثمارية انتقائية تبعاً لمتطلبات المرحلة وتغير الأولويات.
حوافز مدروسة
ومن جملة المبادئ أيضاً مبدأ المزايا والحوافز المدروسة والموجهة، كاعتماد ربط بعض الحوافز بنسبة المدخلات المحلية والتصدير لتشجيع المنتج المحلي والتصدير. ووضع معايير محددة لمنح الحوافز الضريبية بما يخدم تطوير طرق الإنتاج والبحث العلمي وزيادة التصدير وإعادة تأهيل وتنمية المناطق المتضررة، والتشجيع على تكثيف العمالة والحد من البطالة. وتشجيع ودعم المشاريع الصغيرة على الحصول على إجازة الاستثمار وإنهاء اقتصاد الظل (الاقتصاد غير الرسمي). وفتح الباب لإقامة مناطق اقتصادية خاصة المناطق التكنولوجية ومناطق تصنيع الصادرات. وتحفيز الاستثمارات المكثفة للعمالة والمكثفة لرأس المال. إضافة إلى الموازنة ما بين الحقوق والضمانات والمزايا والحوافز الممنوحة للمستثمر المحلي والأجنبي. كما حظيت المشاريع الإنتاجية المتضررة والمشاريع الصغيرة بالدعم ، لتعزيز العملية الإنتاجية، من خلال السماح باستيراد آلات وتجهيزات وخطوط الإنتاج المستعملة اللازمة للإنتاج وفق ضوابط محددة منصوص عليها في هذا القانون لإتاحة الفرصة لمن تضرر معمله إعادة تشغيله، ولكن بالمقابل تحفيزه للآلات الجديدة.
كسب الثقة
وأخيراً وليس آخراً.. مبدأ المبادئ وأس نجاح تطبيقها وهو ضمان تنفيذ المشاريع وكسب ثقة المستثمرين، وذلك مشروط بتوسيع صلاحيات وتعزيز دور هيئة الاستثمار السورية في مرحلة سورية ما بعد الحرب في جعلها “بوابة واحدة للمستثمر”، مرجعية في الرصد والمتابعة والتنفيذ والرقابة على المشاريع الاستثمارية، بما يضمن تحقيق المصلحة المشتركة لكل من الدولة والمستثمر من المشروع الاستثماري، الضامن للمستثمر في تنفيذ مشروع والضامن للحكومة في تنفيذ سياساتها الاستثمارية، إضافة إلى تقديم ضمانات حقيقية ومشجعة تحفظ حق المستثمرين وتكرس مبدأ تكافؤ الفرص وعدم تحميلهم أية أعباء إضافية بعد إقامة مشاريعهم. وإتاحة فض النزاعات عن طريق لجنة فض النزاعات التي تنشأ في هيئة الاستثمار؛ مما يعزز شعور المستثمر بالاطمئنان والثقة وتقليل مخاطر الاستثمار المحتملة، حيث يعتبر هذا البند من أهم العوامل الإيجابية التي تميز الدول المضيفة للاستثمارات بحسب المركز الدولي للتجارة والتنمية المستدامة (ICTSD) خاصة الدول التي تمأسس عملية فض النزاعات (E15 page1).. وفي الختام نختم ونقول: وتريدون ألاَّ يكون هناك تحفظ..!؟
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com