الأحداث وارتفاع أسعار الأعلاف دفعت المربين لبيع قطعانهم!
من المعروف أن محافظة حمص تحتل مرتبة متقدمة على صعيد الثروة الحيوانية: أغنام، أبقار، ماعز، جمال، وغيرها، وقد أثرت الحرب على هذا القطاع الذي كان مشهوداً له بالجودة والإنتاج، سواء من مادة اللحم، أو الحليب، ومشتقات الألبان.
البادية هي الموطن الأصلي للأغنام، ولكن دخول العصابات الإرهابية إليها، وخاصة إلى منطقة الاستقرار الخامسة: بادية تدمر، والقريتين، دفع المربين للهرب باتجاه المناطق الآمنة ذات المساحات الضيقة، والتي لا تفي بالحمولات الرعوية، ما اضطرهم لبيع قطعانهم أو جزء منها كي يطعموا الجزء المتبقي!.
بالأرقام
يقول الدكتور أحمد شحود، معاون مدير الزراعة، ورئيس دائرة الإنتاج الحيواني: كان عدد رؤوس الأغنام قبل الحرب 2,400000 رأس غنم، ومع نهاية عام 2017 أصبح العدد 1000000، وكان عدد الماعز 222481 رأساً، وفي 2017 أصبح 76000 رأس، أما عدد رؤوس الأبقار قبل الحرب فكان 108 آلاف رأس، وبقي منهم مع نهاية 2017 /71000/ رأس بقر.
نزوح المربين
وحول أسباب تراجع الثروة الحيوانية، وخاصة خلال سنوات الحرب، يقول الدكتور شحود: إن أسباب خروج ثلث الثروة الحيوانية من الإنتاج هي ظروف الحرب أولاً، ولاسيما في مناطق تمركز الثروة الحيوانية، أي منطقة الاستقرار (5)، وهي بادية تدمر، والقريتين، وجب الجراح، حتى حدود الفرقلس، ويوجد فيها 80% من الثروة الغنمية في المحافظة، وهذا يعني تراجعاً في الإنتاجية، مضيفاً أنه في مقدمة أسباب تقلص هذه الثروة، إضافة للحرب التي طالت البشر والحجر، نزوح أعداد كبيرة باتجاه المناطق الآمنة، ما يعني أعباء كبيرة يتكبدها المربي، سواء من جهة النقل وغلاء الأعلاف، أو تقلص مساحات الرعي في المناطق الآمنة.
نوع من التشجيع
ومن الإجراءات الهامة التي تساعد المربي في الاستمرار بتربية الماشية تقديم قروض تمويل لمشاريع متناهية الصغر كتشجيع ومساعدة البعض الذي خسر قطيعه أثناء تنقله من منطقة لأخرى، وتالياً أصبح خارج المنطقة الإنتاجية، وهذه القروض مخصصة لشراء حيوانات، أو شراء أعلاف للاستمرار في عملية التربية.
اللقاحات والتحصينات
وأضاف: تسعى الجهات المعنية لتأمين الظروف الملائمة للحفاظ على ما تبقى من هذه الثروة من خلال اعتمادها سياسة متوسطة الأمد للمحافظة على الخدمات المقدمة للمربين بشكل مستمر، كتشجيع المربين على الاستمرارية في تربية الأغنام، إذ تعمل على توزيع الأعلاف مدعومة، وضمن دورات علفية وفقاً للعدد الإجمالي لقطيع الأغنام الذي يملكه المربي قبل الحرب كنوع من الدعم، كذلك الاستمرار في تقديم اللقاحات والتحصينات مجاناً ضد الأمراض، ولهذا لم تسجل حالات أوبئة لأمراض منتشرة في سورية خلال هذه الظروف، وهذا يدل على أن النظام الوقائي فعال، وأشار إلى أنه يتم التواصل مع الأطباء البيطريين الموجودين في الوحدات الإرشادية في حال وجود أية مشكلة قد تعترضهم أثناء العمل.
ضمن خطة مدروسة
وحول أثر عمليات التصدير، وانعكاسها على الثروة الحيوانية، قال: سورية قبل الحرب كانت تصدر، والأغنام السورية العواس مطلوبة ومرغوبة من كل دول العالم، أما في هذه الظروف فالتصدير متوقف، علماً أنه كان يتم ضمن خطة مدروسة، أي ضمن مواليد الأغنام، وانتهاء عملية التسمين، تفتح حينها الدولة مجال التصدير لفترة قصيرة جداً، وتكون عملية التصدير بالتنسيق مع الجهات المعنية، ولاسيما الاقتصاد باعتبارها الجهة المعنية بالتصدير، أي أنه في حال كان التصدير ممنهجاً ومدروساً ضمن الآلية المطلوبة، فهذا الأمر يرفع من الاقتصاد، مضيفاً بأن التصدير في حال كان مدروساً يساعد على وقف التهريب، ويضمن حضورنا السوري في السوق العالمية، نافياً أن ينعكس ارتفاعاً في الأسعار في سوقنا المحلية.
إجازة تسيير
استفاد البعض من ظروف الحرب، وقاموا بتهريب أعداد مهمة من الثروة الحيوانية خارج سورية إلى البلدان المجاورة، نظراً لفارق السعر الكبير، وفي مواجهة ذلك اتخذت الضابطة الجمركية عدة إجراءات للحد من عمليات التهريب، فهي تقوم بجولات مستمرة على أماكن تواجد قطعان الماشية للتأكد عند سير تلك القطعان نحو النطاق الجمركي، “الداخلة إليه أو الخارجة منه”، إن كانت مسيرة للرعي أو “للقصابة”، وتقوم الدوريات بالكشف على “إجازة التسيير” الخاصة بالقطيع، إضافة إلى وجود الشهادة الصحية، وفي حال كان القطيع متجهاً نحو “القصابة” يحتاج لوجود شاهد جمركي يثبت إتمام عملية “القصابة”، ويعتبر كل من يخالف هذه الشروط بحكم المهرب، ويخالف ويحال إلى القضاء.
أما الضبوط المنظمة بحق المخالفين فتتم إحالتها إلى القضاء، ومصادرة رؤوس الأغنام أو الأبقار، وتسليمها إلى مزارع الدولة، ودفع الغرامة المترتبة (حسب سعر الكيلوغرام القائم)، أي “ثلاثة أمثال قيمة الرؤوس”، ويمكن أن تصل العقوبة الى السجن في أغلب الأحيان.
المربون يطالبون
يقول المربون: إن أعداداً كبيرة من الأسر تعتمد في حياتها على تربية المواشي، فهي مهنة متوارثة عن الآباء، ولا يوجد لدينا خيار آخر، وحياتنا في هذه الظروف تراجعت كحال بقية العائلات التي تعتمد على تربية المواشي، وبسبب الأعمال الإرهابية، وضيق المساحات، وتكاليف التنقل، تراجعت أعداد القطعان.
ويقولون: تراجع حال الأسر التي تعتمد على تربية الأغنام كمورد وحيد في حياتها لارتباط هذه المهنة بارتفاع أسعار المواد العلفية، والمحروقات، وغيرها، ما أدى إلى تراجع هذه المهنة من ناحية تقلص الأعداد، وتراجع مساحات الرعي، وغيرهما، وتكمن المشكلة في الارتفاع غير المقبول للمحروقات، إضافة إلى مزاجية الجمعيات الفلاحية في توزيع المواد العلفية، وعدم كفاية كميات العلف المدعوم، وغلاء الأدوية البيطرية، متمنين من الجهات المعنية النظر بأوضاع المربين الصعبة، وتقديم المزيد من التسهيلات لاستمرار العملية الإنتاجية.
المقنن العلفي ضمن دورات
فرع مؤسسة الأعلاف يقول: إن مادة العلف متوفرة في الأسواق، ومطروحة ضمن دورات المقنن العلفي “كل شهرين أو ثلاثة أشهر” مرة، وبلغت مخصصات المقننات العلفية المطروحة في الدورة الأخيرة من 2/5 ولغاية 28/6 كما يلي: الأغنام والماعز 40 كغ نخالة، و5 كغ شعير، و10 كغ ذرة، و2 كغ كسبة.
أما الأبقار: 300 كغ “جاهز حلوب”، و100 كغ نخالة، و10 كغ شعير، كما تم فتح باب البيع للمربين كالتالي: 1 طن نخالة، و2 طن جريش، و2 طن كبسول، و2 طن ذرة، و2 طن كسبة، والأسعار: 72300 ليرة سورية للطن، الكسبة 185 ألف ليرة للطن، الشعير المستورد 120 ألفاً، والذرة 118 ألفاً، وجريش جاهز 108 آلاف للطن الواحد.
وأشار زياد اليوسف مدير الفرع إلى أن أسعار الأعلاف تحددها اللجنة الاقتصادية التابعة لمجلس الوزراء، وتوجد مراكز لتوزيع الأعلاف في كافة المناطق، علماً أن بعض هذه المراكز قد تعرّضت للتخريب من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة كونها تقع ضمن المناطق الساخنة مثل مركزي تدمر والسخنة اللذين أصبحا خارج الخدمة.
وعن أسباب غلاء أسعار الأعلاف قال: من أهم هذه الأسباب غلاء سعر المواد الداخلة في تركيب المادة العلفية: “شعير، نخالة.. إلخ”، ما ينعكس سلباً على المربي الذي يمتلك عدداً لابأس به من الأبقار.
ولابد من القول هنا بأن الثروة الحيوانية السورية لابد من إعادة بنائها، وبناء ما دمره الإرهاب الغاشم الذي تعمّد ضرب كل مقومات الصمود والقوة لهذا الشعب الذي أثبت للعالم أنه عصي على الاختراق من الداخل، وهو قادر على النهوض من جديد، وإعادة ما تمت خسارته بصورة أكثر قوة ومتانة.
الثروة الحيوانية يجب أن تزدهر من جديد لأننا نمتلك كل المقومات كي تكون في المقدمة، ومن أجل ذلك لابد من الاهتمام بكل ما يساعد على الازدهار من دعم للمربين، وتوفير الأعلاف الكافية، وفي كل الأوقات، وضمن صيغ معينة تساعد المربي، وتحفظ حقوق المؤسسة التي تحتاج المزيد من الاهتمام والدعم كي تقوم بدورها بصورة أفضل.
عادل الأحمد