سقوطٌ لقمة “السبع”.. وصعودٌ متنام لـ”شنغهاي”
في الوقت الذي يتبدّى فيه جلياً الانحدار السريع للمحور الغربي اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، الأمر الذي تمثّل بوضوح في قمة الدول السبع في كندا بعد الخلافات الحادة التي شابتها، يبرز على الضفة الأخرى صعودٌ متنامٍ لمحور اقتصادي ضخم يضم اقتصادات كبيرة على الصعيد العالمي، ولاسيما الصين والهند وروسيا. لقد مارست الدول الغربية كل أنواع العقوبات تجاه روسيا لمنعها من التطوّر وكبح جماح صعودها لتستردّ موقعها الطبيعي في العالم، وإجبارها على الانضواء تحت اللواء الغربي، وإبقائها في فلك السياسات الغربية.
وبسبب الخلافات الواضحة التي ظهرت في المعسكر الغربي خلال قمة الدول السبع التي عقدت في كيبك في كندا، نتيجة السياسات الترامبية المتخبطة التي يبدو أنها لا تسعى فقط إلى معاقبة إيران وروسيا فقط، بل إلى إضعاف الحليف الأوروبي ذاته وصولاً إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي، حيث لم يعُد يُخفى على أحد الآن الدور الكبير لواشنطن في دفع لندن إلى الانسحاب من هذا الاتحاد ظناً منها أن ذلك سيكون بداية تساقط أحجار الدومينو، ما يؤكّد أن واشنطن لم تجد بدّاً من تحويل الاتحاد الأوروبي إلى مجموعة من الدويلات التابعة في النهاية من خلال هيمنتها على حلف شمال الأطلسي “ناتو” الذي تحتفظ بالمساهمة الكبرى في تمويله وتسليحه، وتمتلك عشرات القواعد العسكرية في أوروبا تحت ذلك العنوان.
وقد أعلنت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، أن بلادها والاتحاد الأوروبي عموماً لم يعد بوسعهما الاعتماد بشكل أعمى على واشنطن بعد انسحاب الرئيس الأمريكي من البيان الختامي لقمة الدول السبع، معبّرة عن خيبة أملها من رفض ترامب التوقيع على البيان الختامي، ومؤكدة قناعة برلين بأن على الأوروبيين أخذ مصيرهم بأيديهم والدفاع عن قيمهم ومبادئهم بنشاط أكثر.
وبنظرة سريعة إلى مناطق النفوذ حول العالم، نلاحظ أن النفوذ الأمريكي في العالم بدأ يتقلّص، وخاصة أن حلف شمال الأطلسي بدأ يشعر الآن أكثر من أي وقت مضى، أن الطوق الذي كان يفرضه على روسيا قد بدأ بالتآكل، بعد أن تمكنت من استدراج الدول المستقلة في الجنوب الروسي “أوزبكستان وطاجاكستان وقرغيزيا وتركمانستان” إلى تحالفات جديدة أكثر جدوى لها، بإنشاء مجموعة من التكتلات الاقتصادية المغرية، وعلى رأسها منظمة شنغهاي، التي يبدو أنها تذهب صعوداً باتجاه السيطرة على الحصة الكبرى في الاقتصاد العالمي، وخاصة أنها تضم أكبر تكتل بشري في العالم “الصين والهند”، وأكثر الاقتصادات الصاعدة في آسيا، ما يؤكّد أن العالم يمرّ الآن بمرحلة تحوّل مفصلية، عنوانها انتقال مناطق النفوذ والسيطرة في العالم من الغرب الاستعماري القديم ممثلاً بأوروبا وأمريكا الشمالية، إلى آسيا بكل ما تحمله من طاقات اقتصادية وبشرية هائلة.
في المحصلة هناك مخاض ولادة عالم جديد، يظهر فيه المحور الصاعد الممثل بمجموعة بريكس “البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا”، ومنظمة شنغهاي التي تستقطب الدول الآسيوية، وصولاً إلى إيران وسورية، وفي المقابل يحاول المحور النازل “أمريكا وأوروبا” الحفاظ على مكتسبات الاستعمار القديم مع فقدان الآليات الموصلة إلى ذلك، بينما تعمل الدول الواقعة بين المحورين على إعادة التموضع في واحد منهما.
طلال الزعبي