دراساتصحيفة البعث

فرنسا شريكة في الجرائم الإسرائيلة

 

ترجمة: هيفاء علي

عن موقع: ذا اتلانتك 31/5/2018

دعا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون رئيس الوزراء “الإسرائيلي” نتنياهو إلى باريس في 5 حزيران الجاري لافتتاح ” موسم فرنسا- إسرائيل الثقافي 2018″ الذي يُقام في عدة مدن فرنسية من حزيران حتى تشرين الثاني، متجاهلاً صورة “إسرائيل” الملطخة جراء سياستها الاستعمارية والحربية وداعياً إلى توطيد العلاقات الاقتصادية بين باريس وتل أبيب.

رزان النجار، 21 عاماً، كانت تعيش مع أسرتها في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من عشرة أعوام من قبل “إسرائيل”، حيث يعيش مليون ونصف المليون فلسطيني آخرون، تعرضوا لثلاث هجمات عدوانية مدمّرة. رزان الممرضة تمّ اغتيالها على يد قنّاص “إسرائيلي” يوم الجمعة الأول من حزيران عندما كانت تقوم بإسعاف العديد من المتظاهرين المشاركين في “مسيرات العودة وكسر الحصار”. في اليوم التالي لجنازتها التي شارك فيها آلاف الفلسطينيين، قامت قوات الاحتلال بإطلاق النار على أكثر من 12 هدفاً في قطاع غزة. أكثر من مئة فلسطيني سقطوا منذ بداية المظاهرات في 31 آذار الماضي، ولعلّ يوم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في 14 أيار الفائت، كان اليوم الأكثر دموية إضافة إلى آلاف الجرحى. رغم ذلك، استقبل ماكرون رئيس الوزراء “الإسرائيلي” في باريس لافتتاح “موسم  فرنسا-إسرائيل”، فكيف يمكن فهم مثل هذه المبادرة الفرنسية التي أثارت غضب وامتعاض الشارع الفرنسي؟.

أشاد ماكرون في كلمته الافتتاحية بمتانة العلاقات بين البلدين و الصداقة العميقة التي تربطهما، ربما شريطة تجاهل القانون الدولي وحقوق الإنسان، وشريطة احتقار التاريخ. لأن مسيرات العودة هذه التي ستستمر ستة أشهر أخرى، تتزامن مع ذكرى تأسيس ما يسمّى “إسرائيل”، وإحياء الذكرى 72 للنكبة التي وقعت بين عام 1947 و1949 بتهجير وتشريد أكثر من 800 ألف فلسطيني ومصادرة بيوتهم وممتلكاتهم. أطفال اللاجئين يطالبون على الدوام بحق العودة الذي يضمنه لهم القانون الدولي. وهذا بالضبط ما يطالب به المتظاهرون في غزة التي ثلثا سكانها من اللاجئين. وعليه، من  حصار غزة إلى آلاف “الوحدات السكنية” التي تم بناؤها في انتهاك صارخ للقانون في المستوطنات “الإسرائيلية” في الضفة الغربية، تترسخ النكبة اليوم كمسار متواصل ومتسارع حسب البرنامج الذي أعلنه رئيس الوزراء السابق، ارييل شارون في مطلع الثمانينات” إتمام ما لم يتم إنجازه عام 1948″. ولكن يبدو أن هذا الأمر ليس على جدول أعمال الاحتفالات الباريسية، ذلك أن ماكرون يستأنف بدوره خط القيادة الذي دشنه نيكولا ساركوزي وجعل من ارييل شارون أول مدعو دبلوماسي منذ عشرة أعوام لافتتاح معرض الكتاب في ربيع 2008 الذي دعيت إليه “إسرائيل” ضيف شرف، في التجاهل الطوعي للتاريخ والوقائع وحق الشعب الفلسطيني.

واقع الأمر، تدهورت صورة “إسرائيل” وسياستها عبر العالم قاطبةً، وفي أوروبا على وجه الخصوص. ففي فرنسا على سبيل المثال، أفاد استطلاع للرأي أجراه المعهد الفرنسي أن 57% من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع يمتلكون صورة سلبية عن “إسرائيل”، 71% قالوا إن “إسرائيل” تتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية عن توقف المفاوضات مع الفلسطينيين، فيما اعتبر 57% منهم أنها تشكل تهديداً للاستقرار الإقليمي.

وها هو شبح الحملة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني يلاحق تل أبيب: نشاط وفعالية الحملة الدولية لمقاطعة، ومعاقبة وإلغاء الاستثمار في “إسرائيل” (BDS) التي أُطلقت في 9 تموز 2005 من قبل 172 منظمة نقابية وسياسية فلسطينية، وانضمت إليها فيما بعد منظمات “إسرائيلية” مناهضة للاستيطان، وحركة التضامن في العالم.

ولمحاربة الإفلات من العقاب الذي تتمتّع به “إسرائيل” لمواصلة سياستها، دُعي المواطنون لتنظيم حملة دولية غير عنيفة، سلمية من أجل  مقاطعة المؤسسات والشركات الاقتصادية، الرياضية، الثقافية “الإسرائيلية” التي تدعم الاحتلال والاستيطان، وإيقاف استثمار الشركات المتورطة في الاحتلال، إضافة إلى مطالبة الدول بفرض عقوبات على تل أبيب طالما أن “إسرائيل” تواصل خرق القانون الدولي، ما دفع المسؤولين “الإسرائيليين” لوصف هذه الحملة “بالتهديد الاستراتيجي”.

الحملة مستمرة وتحقق تقدماً كبيراً وتحظى بمزيد من دعم النقابات في جنوب إفريقيا، بريطانيا، إسبانيا، ومساعدات مالية من النرويج وهولندا وأمريكا، ودعم بعض الجامعات مثل جامعة هارفارد التي سحبت استثماراتها من الشركات “الإسرائيلية” التي تعمل من أجل الاستعمار.  الأمر الذي ساعد على إنشاء طريق مباشر يربط القدس الشرقية بالمستوطنات ويؤول إلى التحرر من وسائل النقل “الإسرائيلية”. عدد كبير من الفنانين يرفضون السياسة “الإسرائيلية” ويعلنون عدم إنتاج أعمالهم في بلد ينتهك القانون. الأمم المتحدة نفسها وضعت قائمة للشركات المساهمة في الاستيطان وخرق القانون. لذلك قررت تل أبيب تشكيل قسم خاص
لمواجهة الحملة الدولية ووضع ميزانية لاحقة في هجوم إيديولوجي مضاد ذي شقين: محاولة استعادة شرعية ملطخة، ومحاولة نزع المصداقية عن حركة التضامن العالمية. والمبادرات الثقافية مثل الموسم المقام حالياً في فرنسا تندرج في هذا المسعى.

بالنسبة للمدافعين عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، فهم ضحايا حملة كثيفة تستهدف دمج معركتهم في إطار مناهضة السامية. وهذه هي الحال في فرنسا، حيث تباهت سفارة “إسرائيل” بأنها ليست  متفاجئة من تغيير وزيرة العدل ميشيل اليوت-ماري، التي أشارت في أيار 2009 إلى أن المقاطعة لا تشمل إلا  المنتجات “الإسرائيلية” المستوردة قبل أن تؤكد في شباط 2010 أنها كانت تقصد مقاطعة المنتجات المحظورة. في أيار 2012، أكد خلفها، ميشيل ميرسييه، على أن الالتزام نظامياً بملاحقة أنصار الحملة “المعادية لإسرائيل”، مضى حتى توجيه الاتهام لمقاتلين من أجل مساواة الحقوق بالتحريض على كره السامية. وعليه العشرات منهم يمضون وقتهم بالمثول أمام المحاكم. جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان تطالب بانسحاب الدوائر، ورئيسة الدبلوماسية الأوربية فيردريكا موغريني على الرغم من معارضتها “الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل”، ذكّرت بالتزام الدول الأعضاء بالدفاع عن حرية التعبير. بدورها،  طلبت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان من الحكومة الفرنسية توضيحات حول  التحقيق مع 11 عنصراً من أنصار الحملة.

ايمانويل ماكرون يرى أن “موسم فرنسا- إسرائيل” له هدف آخر: توطيد العلاقات الاقتصادية والإستراتيجية بين البلدين.. من جهة باريس تدين الاستيطان وتزعم أنها تتخذ موقفاً فرنسياً لمصلحة سلام يقوم على تعايش الدولتين، “إسرائيل” وفلسطين، وتدين نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وفي الوقت نفسه تدعو الفلسطينيين للاهتمام أكثر بـ”خطة السلام” الأمريكية، وتدعو إلى مفاوضات مباشرة بين الطرفين، وتعترف بالدولة الفلسطينية عقب الاتفاق بين الطرفين.

ومن الجهة الأخرى، ترفض ممارسة أي ضغوط على “إسرائيل”، ليس هذا فحسب، بل تشجع على تطوير وتوطيد العلاقات معها. ثمّة مسعى مشترك مع مسعى شركائها في الاتحاد الأوربي، الذي غالبية أعضائه يقيمون مع  تل أبيب علاقات تجارية واقتصادية، ومشروعات صناعية، تكنولوجية، أو علمية. فالاتحاد الأوربي الشريك التجاري الأول لـ”إسرائيل” مع 35،3% من صادراته، والانضمام إلى مشروع “آفاق 2020” لتمويل الأبحاث والاختراع الذي أصبح ساري المفعول منذ 2014. عدا الإدانات، مثل هذا التوجه المتمثل بإقامة “موسم فرنسا- إسرائيل” ودعوة رئيس الوزراء “الإسرائيلي” لزيارة فرنسا مجدداً، يشكل بالنسبة لتل أبيب تشجيعاً على الاستمرار في انتهاكها للقانون الدولي ورفضها للسلام.