ملف النفايات إلى الواجهة مجدداً.. غياب الحلول وتكرار ممل
على الرغم من أن فصل الصيف لم يزرنا حتى الآن بقسوته المعتادة، وعلى الرغم من أن سنوات الحرب انتهت في دمشق وريفها، إلا أن القوارض والحشرات الضارة انتشرت بشكل مخيف حاملة معها شتى أنواع الأمراض الخطيرة التي تودي بالكثيرين إلى المشافي، هذه الحشرات الناتجة عن التراكم والرمي العشوائي للنفايات لأيام وأسابيع، خاصة في مناطق السكن العشوائي، بحاجة إلى حل فوري وجذري قبل أن تصبح آفة خطيرة تعجز الجهات المسؤولة عن معالجتها، فملف النفايات القديم المتجدد خلال السنوات الأخيرة لم يخط حتى اليوم خطوة جدية في معالجته، ففي جولة قصيرة في شوارع دمشق ستلحظ أن أكوام النفايات فاقت أعداد المنازل، محمّلة بشتى أنواع الأمراض الخطيرة التي أودت بالكثير من الأطفال إلى المشافي خلال سنوات الأزمة، ولم يختلف حال هذا الملف قبل الأزمة، وخلالها، وبعد انتهائها، بل على العكس زادت سنوات الحرب والنزوح السكاني الكبير إلى دمشق الوضع سوءاً فوق السوء الذي كان به، واليوم وبعد تحرير دمشق وريفها نجمت الكثير من المخلفات والنفايات التي زادت الطين بلة، ومع ذلك مازالت شمّاعة الأزمة معلّقة على أبواب المسؤولين لتعليق أسباب التقصير في ترحيل النفايات عن بعض المناطق، وزيادة حجم النفايات، وتعزو ذلك لخسارة مكبات النفايات في المناطق الساخنة، والأضرار التي لحقت بها، ونقص عمال النظافة، فحكاية مكبات النفايات، والتخلص من النفايات العادية والطبية ليست جديدة، ولطالما كانت مخاطرها الصحية أكثر ما يشغل بال المواطن السوري.
أضرار
مديرية النظافة حتى اليوم مازالت ترى أنها تقدم أفضل ما لديها للحفاظ على نظافة دمشق بشكل دائم، حيث أكد لنا عماد علي “مدير النظافة” أنه على الرغم من زيادة عدد السكان في المناطق العشوائية بشكل كبير، حيث وصل عدد القاطنين في دمشق إلى حوالي 5 ملايين نسمة، رافقتها زيادة في كمية النفايات إلى 3000 طن يومياً، مع قلة التزام البعض بقواعد النظافة، وضيق الشوارع والحارات لتقف عائقاً في إيجاد أماكن لتوضع الحاويات، إلا أن مديرية النظافة قامت بالتعاقد مع سيارات صغيرة الحجم” قلاب” لتخديم المناطق ذات الشوارع والأزقة الضيقة، والتي لا يمكن وضع الحاويات بداخلها، وبالتالي يتم جمع وترحيل القمامة مباشرة من هذه المناطق، وبيّن علي كمية الأضرار التي لحقت بقطاع النظافة، حيث تعرّضت العديد من الآليات لاعتداءات مختلفة بلغت القيمة التقديرية الحاصلة لها 50000000 ليرة سورية، عدا عن نقص العمالة نتيجة استشهاد البعض، وتعرّض البعض الآخر لإصابات وخطف، وكذلك فقد تعرّضت العديد من الحاويات لاعتداءات مختلفة، ما اضطرنا لسد النقص الحاصل نظراً لتوفر الحاويات بالأسواق المحلية، إضافة إلى تعرّض بعض مراكز التنظيف لاعتداءات مختلفة تم تقديرها بحوالي 9000000 ليرة سورية.
أعباء إضافية
لم يخف مدير النظافة عدم كفاية الآليات الموجودة حالياً لتخديم مدينة دمشق على مدار اليوم، حيث إن المخطط التوجيهي لإدارة النفايات الصلبة اعتبر أن كل 10000 مواطن بحاجة إلى ضاغط واحد ليتم التخديم الأمثل، وبالتالي نحن بحاجة إلى أعداد أكبر بكثير من المعدات والآليات المتوافرة حالياً، ومع ذلك يتم تعويض النقص الحاصل بالعمال عن طريق دوام عمال الوارديات الصباحية لفترة متأخرة بعد انتهاء عملهم، ويتم تعويض النقص الحاصل بالآليات عن طريق دوام الآليات مع سائقيها لأكثر من واردية عمل، إضافة لوجود أعمال إضافية فرضتها الأزمة الراهنة تندرج تحت مفهوم النظافة تتلخص بتأمين المياه الصالحة للشرب للتجمعات السكنية عند شح المياه، ولمراكز الإيواء في المدينة، والدوائر الحكومية، والمشافي، ومساندة فوج الإطفاء في الحرائق، إضافة إلى قسم الترحيل بأعمال إضافية تتمثّل بترحيل المخلفات الناتجة عن الأعمال الإرهابية والتفجيرات، مع تأمين ورشات لمعالجة حالات الطوارئ التي يمكن أن تنشأ نتيجة الظروف المختلفة.
أولويات
ولأن المخاطر الصحية الناتجة عن النفايات بكافة أصنافها لا تقتصر على البشر، بل تشكّل أخطاراً كارثية على البشر، والزراعة، والتربة في حال لم يتم التخلص منها بالطرق الصحيحة، وخاصة النفايات الطبية، لذا قمنا بالتوجه إلى جميع المؤسسات والوزارات المعنية بالموضوع، لتؤكد لنا وزارة البيئة، وعلى لسان عيدة محمد، رئيسة دائرة إدارة النفايات الصلبة، أن تراكم النفايات يغيّر من مواصفاتها، ويجعل منها مرتعاً للقوارض والحشرات الضارة، ومصدراً لانبعاث العديد من الغازات السامة، فتؤثر سلباً على كل مناحي الحياة، ويمكن أن تؤدي إلى ظهور العديد من الأمراض، لذا تعتبر عمليات ترحيل النفايات بشكل يومي من الأولويات الهامة والضرورية لدى الوحدات الإدارية، والتخلص منها بشكل آمن، وتقدر كمية النفايات المرحّلة من الوحدات الإدارية إلى المكبات النهائية في كافة المحافظات يومياً بـ 10000 طن، ونظراً لأهمية موضوع معالجة النفايات الصلبة، قامت وزارة الإدارة المحلية والبيئة باعتماد المخطط التوجيهي لإدارة النفايات الصلبة الذي يضمن إدارة متكاملة للنفايات الصلبة: (جمع- ترحيل- معالجة)، وكانت التقنيات المتبعة في المعالجة هي عمليات الفرز للحصول على المواد القابلة لإعادة التصنيع والتدوير، والمعالجة الهوائية (الحصول على سماد عضوي) من النفايات العضوية، وقدمت لنا وزارة البيئة العدد الإجمالي المعتمد لمشاريع إدارة النفايات الصلبة، حيث بلغ عدد المطامر الصحية 44، ومعامل الفرز 33، ومعامل السماد 29، ومحطات النقل 120، و13 وحدة معالجة النفايات الطبية، و14مركز تخزين مؤقتة للنفايات، وتتوزع هذه المنشآت في كافة المحافظات، بحيث تؤمن ترحيل ومعالجة النفايات الناتجة عن جميع الوحدات الإدارية، وتم تنفيذ نسبة جيدة منها، وقد تضرر خلال الحرب على سورية عدد منها، وتقوم الوزارة بمتابعة رصد الاعتمادات اللازمة في الموازنة الاستثمارية لمديريات الخدمات الفنية في المحافظات، إضافة لتأهيل وإصلاح المتضرر من هذه المنشآت لإعادتها للعمل من موازنة إعادة الإعمار.
مخلفات الحرب
تقوم الوحدات الإدارية بعملية الترحيل والتدوير للأنقاض في المناطق المتضررة وفقاً للدور المناط بها في ترحيل مخلفات الأنقاض الموجودة ضمن المحاور الرئيسة والفرعية، بالإضافة لترحيل أنقاض المباني العامة المتضررة، وتتم هذه الأعمال بإشراف مباشر من المحافظين، وضمن القانون الناظم لذلك، وتتم عمليات التدوير للأنقاض وفقاً للشروط الفنية والقانونية المعدة من قبل وزارة الأشغال العامة والإسكان، وبمشاركة وزارة الإدارة المحلية والبيئة التي تتم فيها تحديد مجالات الاستفادة من المواد الناتجة عن عملية التدوير، إضافة إلى مشاريع تحويل النفايات لمواد هامة، والاستفادة منها اقتداء بتجارب الدول المتقدمة، حيث تعمل الوزارة بالتنسيق مع وزارة الكهرباء على إعداد بعض الدراسات الخاصة بالتقنيات الممكن اتباعها للاستفادة من النفايات للحصول على الطاقة: “كهرباء- غاز حيوي”، وتقوم الوزارة حالياً بإعداد دفاتر شروط فنية عامة للتقنيات الخاصة بتوليد الطاقة من النفايات الصلبة، وذلك لفسح المجال أمام العارضين الراغبين بالاستثمار بهذا المجال للتقدم بعروضهم، ودراستها من قبل المختصين بالوزارة.
النفايات الطبية
لم تحظ قضية النفايات الطبية حتى الآن بالاهتمام المطلوب، وبالسرعة اللازمة من الجهات الرسمية، إذ لاتزال بعض المستشفيات لا تتقيد بشروط التعامل مع النفايات الطبية، وضرورة فصلها عن المنزلية، والتخلص منها بالطريقة الآمنة، ومما لا شك به أن ما تعرّض له البلد من أزمة أرهقت جميع المراكز الصحية من خلال زيادة عدد المرضى بشكل كبير، وبالتالي كان لابد من الحاجة المستمرة لتوفير بيئة سليمة للمرضى وللكادر الطبي الموجود من خلال وضع خطة للتخلص الآمن من النفايات الناتجة عن المستشفيات، والأمر المؤسف أن معظم مشافينا، إن لم نقل جميعها، لا توجد فيها محطات لمعالجة المخلفات السائلة، وكل تلك المخلفات تصرف كما هي بكل ما تحمله من خطر، لذا توجهنا بسؤالنا إلى عدد من المشافي لمعرفة كيفية تعاملها مع النفايات الطبية، حيث تقوم المشافي، حسب ما أكده مديروها، بتوضيب النفايات الطبية ضمن أكياس سميكة محكمة الإغلاق بشكل تكون فيه النفايات الطبية البلاستيكية في أكياس زرقاء، والنفايات الطبية الحادة في عبوات كرتونية معزولة، أما النفايات الطبية الأخرى ففي أكياس صفراء، على ألا تحتوي أية نفايات غير طبية، في المقابل وجدنا القلة من مشافينا تطبق التعليمات الخاصة بهذا الموضوع، مع غض النظر عن التطبيق الحرفي الدقيق لها، وأكدت لنا مديرية الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة بأنه يتم التعامل مع النفايات الطبية وفق ما نص عليه قانون النظافة 49 لعام 2004، وضمن التعليمات الفنية للدليل الوطني للإدارة الآمنة لنفايات الرعاية 2010، حيث تقوم المؤسسات الصحية بفرز النفايات بثلاث حاويات، وهي النفايات الطبية الحادة والجارحة والواخزة بوعاء بلاستيكي مقاوم للثقب والترشيح ذي لون أصفر، والحاويات المعدية والممرضة ضمن حاوية بلاستيكية، وضمنها كيس ذو لون أصفر، والنفايات العادية غير الخطرة ضمن حاوية بلاستيكية، وضمنها كيس ذو لون أسود، وخلال الأزمة، ورغم الصعوبات في تأمين مستلزمات الفرز، ونقص القوى العاملة، وازدياد ضغط العمل، والاعتماد على بعض شركات التنظيف “قليلة الخبرة”، فقد استمر العمل ضمن برنامج الحد الأدنى المذكور في الدليل الوطني، والذي ينص على استمرار الفرز بثلاث حاويات.
معالجة النفايات الطبية
ورحلة التخلص من النفايات الطبية تنتقل من المشافي إلى الوسط الخارجي عن طريق مديرية النظافة، حيث قامت مديرية النظافة بتزويد المشافي بحاويات بيضاء اللون مزودة بغطاء وقفل، خاصة بالنفايات الطبية، وذلك للمشافي غير المجهزة بغرف خاصة بالجمع النهائي للنفايات الناتجة عن المنشأة، وتم تنظيم سجل خاص بهذه المشافي يحدد كمية النفايات اليومية المرحّلة بتوقيع المسؤول في المشفى، وختم المشفى على السجل، كما يتم جمع النفايات الطبية من جميع المشافي يومياً، أما المراكز الصحية والمستوصفات فتجمع النفايات بشكل دوري، وقامت المديرية بتخصيص ثلاث سيارات، إحداها مجهزة بصندوق مغلق مع حاويات بيضاء خاصة لنقل النفايات الطبية من المشافي، والمستوصفات، والمراكز الصحية بعد فرزها ووضعها بالحاويات من قبل العاملين في هذه المنشآت، حيث يتم نقلها بواسطة السيارة إلى معمل معالجة النفايات، وتتم معالجتها بالتعقيم والتطهير بالبخار، ويتم غسل السيارة وتعقيمها يومياً بعد تفريغها من النفايات، وتصل كمية النفايات الطبية التي يتم جمعها وترحيلها يومياً إلى ما يقارب “5 أطنان”.
ميس بركات