الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

حلو العيد..ذكريات الزمن القادم

 

لسنين خلت، ما من بيت سوري إلّا وكانت تفوح منه في مثل هذه الأيام، رائحة “حلو العيد” البديعة والمنشطة للروح والقلب، ففي الثلث الأخير من شهر رمضان، تبدأ ربات المنازل بالتجهيز لصناعة “حلو العيد- المعمول الشهير” التي تترافق مع العديد من الطقوس الجميلة والحميمة، حيث ستشترك الجارات وبنات العم والخال- الحماة والكنة وحتى الضراير، بالعمل في هذا اليوم المقدّس لديهن، خصوصاً وأن كل ما يحببنه موجود في هذه الجلسة، بدءاً بالنميمة المنعشة، إلى الطعم الحلو الذي يفضلنه، ويأكلنه بمحبة، ثم يتذمرن من السمنة، إلى الجو العام الذي يحيينه في كونهن”صبايا ببعضهن البعض” و”أهم شي ما في حدا ينق”، قالت السيدة سلمى، الخمسينية التي عاشت أياماً لا تُنسى مع طقوس صناعة حلو العيد “أنا وجاراتي وقريباتي كنا نجتمع قبل العيد بشي أسبوع ونبلش نعمل الحلو” يسهرن الليل كله، في العجن والرق والخبز والضحك المفرح للقلوب، وفي الصباح ستحمل النسائم روائح “المعمول وأقراص العيد”، وستدور الألفة كما لو أنها في مهرجان نكهات وروائح بديعة: القرفة سترقص مع حب الهال، والماورد سيطير مع خبز العيد الساحر بين القلوب والأفواه والخيال.

“مو صحيح انو كنا نعمل حلو العيد للتوفير، هدا سبب، بس السبب الأهم كان اللمة الحلوة والناس اللي بتجمعها المحبة”، قالت أم فراس الأربعينية التي كانت سابقاً تشتري حلواً جاهزاً من السوق، ثم دعتها جاراتها، حيث استقر بها المقام بعد أن نزحت من مدينتها، فصارت من المشجعات الأصيلات لإحياء طقوس هذا اليوم “كنا نجتمع أول الليل، وكالعادة نسوان ببعض، فطبيعي يحضر الحكي والتسلاية، بعدين نقسّم المهام ونشوف شو الكمية اللي بدنا نساويها، ونزيد عليها للناس اللي ما بيحسنو لا يشترو ولا يعملو”.

إلّا أن الحال تغّير الآن والكثير من العائلات السورية تخلّت عن صناعة حلو العيد بسبب التكاليف الباهظة لأسعار المواد الأولية “تكلفة المعمول أو أقراص العيد كانت بالسابق أرخص بكتير، هدا غير انو ما ضل في نفس ولا روح لهاد الشغل اللي بدو روح وفرح، ما في بيت إلّا وفي صورة لشهيد وشهيدين”، قالت مها الثلاثينية التي تابعت ” بالتأكيد رح يجي يوم قريب انشالله ونرجع لحلو العيد البيتي، بلكي بس يرخص السكر والزيت والجوز وغيرو، أو بس نغلا نحنا شوي”!. حلو العيد الذي كنا نتلذذ فيه صغاراً وما زلنا، طقس جميل وحميمي من طقوس الأسرة السورية، إلّا أن هذا الطقس شابته بعض الهموم والأحزان، وهو عائد لا محالة للعائلة السورية التي علّمت الحياة كيف هي الحياة حتى وهي والموت جيران، الباب على الباب.

تمّام علي بركات