رياض الأطفال.. مشاريع اقتصادية تبحث عن الربح.. أم تربوية لتنمية القدرات الإبداعية ؟
ألهب أطفال رياض الأطفال في السويداء مسارح المراكز الثقافية بعروضهم:رقصات تعبيرية، ولوحات فنية، أغان ومعزوفات موسيقية، معارض فنية قدمها أطفال رياض الأطفال في نهاية العام الدراسي، ليشكّل ما قدموه جواز سفرهم نحو مستقبل يبدو أنه أفضل.
هدى، “أم الطفل إيهاب”، فوجئت بمستوى أداء ابنها على خشبة المسرح، ابن الأربع سنوات قدم مع باقي رفاقه في الروضة عروضاً عبّروا من خلالها عن قدرات ومواهب وإمكانيات لا حدود لها، ولكن يبقى المهم هو كيفية استثمار هذه الإمكانيات.
حالة إبداع
أغنية “نحنا الربيع” التي رقص على أنغامها الأطفال ذوو الأربع سنوات لم تكن مجرد كلمات مرتبة ترافقها موسيقا جميلة، بل عكست حالة إبداع فني، فرقصوا كالفراشات مستعينين ببراءة طفولتهم، ليتنقلوا على خشبة المسرح بألوانهم الزاهية، وابتسامتهم البريئة.
يقول رامي، وهو صاحب إحدى الرياض: إن الإدارة والمعلمين يحاولون عبر أساليب تربوية حديثة ومتعددة خلق جيل قادرعلى مواجهة تداعيات الحرب من خلال رسم صورة أكثر إشراقاً في ذاكرته، تعتمد على علوم ومعارف يتم تدريسها باستخدام أدوات أكثر قرباً لأنفسهم كاللعب، والموسيقا، والرسم.
تقول الطفلة هديل التي لم تفارق الابتسامة وجهها طيلة أوقات العرض: إنها سعيدة جداً، وهي ترقص وتغني والناس تصفق لها، وإنها لا تريد أن تنتهي الروضة، بل تريد استمرارها، “ففيها نلعب ونغني ونرقص ونتعلّم”، تقول هديل: “أطلقوا لهم العنان” في مكان ليس ببعيد، كانت روضة أخرى تفتتح معرضها السنوي، المعرض الذي كان تحت شعار: “أعطوا لهم الثقة وأطلقوا لهم العنان”، يبدو أنه حقق الغاية والهدف، وهو إبراز القدرات الفنية، والمواهب المتنوعة التي تم اكتشافها، وعكس حالة التكامل بين مادة الفنون والحالة التعليمية بوحدة متكاملة تعتمد على الملاحظة، والتجربة، واللمس.
تقول مدرسة الرسم في الروضة سحر جربوع: في مادة الفنون ننمي الخيال، والمهارات، وقدرات التركيز، والمهارات اليدوية، واستخدام توالف البيئة، وإعادة تدويرها، والأهم بالنسبة لجربوع هو قراءة نفسية الطفل عبر اللوحة التي يرسمها، فالمساحات اللونية تدل على البيئة التي يعيش فيها الطفل، سواء كانت زاهية أم معتمة، وكذلك هناك اهتمام بالوحدة الغذائية عبر جدول غذائي، وتقسيم منظم عبر خيارات ومحتويات تنعكس على صحة الطفل، بما يحقق بناء الجسم السليم عقلياً، وصحياً.
تطور ذهني
والسؤال الأهم هو كيف يتم استثمار حالة الإبداع تلك؟ وهل مدارسنا بواقعها الحالي قادرة على إكمال ما بدأت به رياض الأطفال؟ وهل هي قادرة بمناهجها الحالية وبناها التحتية على البناء على ما أسست له تلك الرياض، أم أن الفصل بين المرحلتين مطلوب لاختلاف النمو الذهني والفكري عند الطفل بينهما.
للتطور الفكري والجسدي والنفسي عند الطفل دور بارز ومساعد في تجاوز الفجوة بين الرياض والمدارس، حسب بسام أبو كامل، رئيس دائرة التعليم الخاص في مديرية التربية الذي بيّن أن تطور الطفل من مرحلة الرياض إلى مرحلة التعليم الأساسي يرافقه تطور فكري في شخصية الطفل، وبالتالي يخضع الطفل في هذه المرحلة إلى مناهج وطرائق تدريس جديدة مختلفة عن مرحلة رياض الأطفال.
ويضيف أبو كامل بأن التحضير لمرحلة التعليم الأساسي من خلال الروضات مرحلة مهمة تربوياً، وفكرياً، وتعليمياً، وهي رديف للمدارس لإشراف مديرية التربية، منوّهاً بأن عدد الروضات في تزايد مستمر، حيث وصل عدد الروضات المرخصة داخل مدينة السويداء إلى 39 روضة، إضافة إلى 61 روضة في مختلف قرى المحافظة، وهناك 17 روضة حكومية بالريف، وهي تابعة لمديرية التربية بالسويداء.
بيئات مختلفة
ولا شك في أن رياض الأطفال تشكّل حلقة وصل هامة في مراحل نمو الطفل الذهنية، وحالة تمهيدية لدخول الطفل للمدرسة، والخروج من بيئته المنزلية.
تقول ربا فلحوط، وهي ماجستير في التربية الخاصة: ينتقل الطفل من البيت إلى الروضة، ومنها إلى المدرسة، فهو في هذه النقلة النوعية يترك بيئة البيت الآمنة المعتاد فيها على أمه، وحنانها، واهتمامها الدائم، ويتوجه إلى بيئة جديدة مليئة بالأشياء الجديدة، فهو لم يعتد من قبل على المعلمات، والأطفال الجدد، وحتى الضوابط والقوانين التي عليه الالتزام بها، وهذا ما سيشعره بفقدان الأمان، ومن هنا يأتي دور الروضة كمرحلة تمهيدية، وليست تعليمية، بمعنى ينصب الدور الرئيس لرياض الأطفال، ومعلمات الرياض، على تمهيد الطفل للمرحلة اللاحقة، وهي المدرسة، والتمهيد يتضمن الناحية النفسية، والاجتماعية، وإكساب الطفل المهارات التعليمية الضرورية لمرحلة المدرسة، ومن هنا نلاحظ ثغرات كثيرة يعاني منها الطفل بين المدرسة والروضة، فالروضة لا تلزمه بضوابط وقوانين حازمة، وقد تهتم بالناحية الترفيهية أكثر من المدرسة كالألعاب، والرسم، والموسيقا، أما المدرسة فيجب على الطفل أن يلتزم بضوابط حقيقية كأوقات الأكل والشرب، واللعب، والخروج من مكانه، وأداء الواجب المنزلي كاملاً، وما إلى ذلك.
وأشارت فلحوط إلى نقطة مهمة، وهي أن مناهج الرياض يجب أن تكون تعليمية لإكساب المهارات اللازمة للقراءة والكتابة، وغير مطلوب منها أن تكون كثيفة حتى تكاد تكون قريبة من المنهاج الدراسي للصف الأول الابتدائي، فهذا قد يكون عبئاً على الطفل، خاصة أن العضلات الدقيقة في أيدي الطفل مازالت في مرحلة النمو، وعندما يتم تكرار المعلومات نفسها في الصف الأول فهذا يدفع بالطفل للشعور بالملل، ومن هنا لا يمنع من بعض الإرشادات للمعلمين والآباء حتى يتم تجاوز الفجوة بين الروضة والمدرسة كالتحدث للطفل، وتحبيبه بالمرحلة القادمة، وهي المدرسة، وعدم زرع تصورات خاطئة في ذهن الطفل عن هذه المرحلة، وتدريب الطفل من قبل الآباء ومعلمي الرياض على التفاعل مع الأطفال الآخرين، وعرض بعض المشاكل عليه للتعرف على طريقة حلها، والتوضيح دائماً للطفل عن السلوك الصحيح، والسلوك الخاطئ قبل معاقبته، وآلية الالتزام بالصحيح.
وتضيف المعلمة كوثر السمان بأنه في الرياض يتم استخدام أساليب متعددة لإيصال المعلومة للطفل من خلال الألعاب، والألوان، والرسم، والمعجون، وغيرها، ويكون الوقت كافياً، وعدد الأطفال قليلاً، بينما في المدارس مازالت الأساليب المستخدمة محدودة، والوقت ضيقاً، مقارنة مع كثافة المنهاج، وعدد التلاميذ في الغرفة الصفية.
مشاريع اقتصادية أم تربوية؟
وتعتبر رياض الأطفال اقتصادياً من المشاريع الناجحة، حيث يتم الإقبال على مثل هذا النوع من الاستثمار لما يحققه من عائد اقتصادي، ويبقى المهم هو المواءمة بين رغبة جني الأرباح، والرغبة في تأدية الرسالة التي قد تكون مدخلاً في طلب الترخيص لإحداث الروضة.
تقول مديرة إحدى الرياض: إن الهدف من هذه المرحلة ليس فقط تعليمياً لأنه سيتحقق في المراحل اللاحقة، بل ما يتم الاهتمام به هو تنمية قدرات الأطفال على النطق والتعبير السليم، وتدريبه على الانتباه، والاستماع، واستخدام الحواس الخمس بشكل فعال عن طريق اللعب والمرح، وأضافت بأن الروضات مهمة لما تعود به من منفعة في توفير فرص عمل لمعلمات لم يجدن فرصتهن للعمل في القطاع الخاص، إضافة لتحسين دخل أصحاب تلك الرياض.
“مستر دودي”
“مستر دودي” شخصية محبوبة عن أطفال الروضة، يتم عبرها إيصال الفكرة أو الرسالة المطلوبة من الأطفال من معايير أساسية، و”مستر دودي” الذي اعتمدته إحدى الرياض في إيصال رسائلها للأطفال عبر ما يسمى الروتين الصباحي هو شخصية كاريكاتورية بلباس محبب للأطفال، وقريب من شخصيتهم، ولكن من هو “مستر دودي” عندما يجعل الطفل ينطلق في مرحلة التعليم الأساسي، وقد عكست إبداعات الأطفال في عروضهم الأخيرة الكثير من الدلالات التي يجب قراءتها قراءة متأنية ومعمقة لمعرفة الإمكانيات التي يملكها أطفال الوطن، وكيفية استثمارها خير استثمار عبر وضع خطط تربوية مدروسة قادرة على الأخذ بيد هؤلاء الأطفال، ووضعهم على الطريق الصحيح.
رفعت الديك