على طول الحصيرة
تفرض طقوس الأعياد تداعياتها النفسية والمادية على المواطن لتشكّل التزامات المناسبة الاجتماعية وفاتورة الحدث الاقتصادية ثقلاً كبيراً على عاتق الأسرة والمجتمع عموماً، ويصبح التداول اليومي لمواجهات الاستحقاقات وجبة باردة على ريق حتمية “الأكل والشرب”، وأخرى ساخنة في تعاملات الشراء في منازلة لطالما كانت فيها القدرة الشرائية الخاسر الدائم أمام أسعار سوق تحرق كل ما في الجيب في الأسبوعين الأولين من كل شهر، فكيف الحال وللعيد موازنة “طوال عمرها” متواضعة ولا تفي أضعف الإيمان؟!.
وكي نكون ذوي مصداقية دعونا نعترف بمواجع الشارع الذي بدا مكرهاً لا بطلاً في الإشاحة بوجهه عن كل ما يضعه في موقف محرج ويخرجه من أي عملية تسوق ولو كانت بسيطة “بوجه أسود” قد لا يضحك للرغيف الساخن الذي اكتفى به لسدّ الرمق في خصوصية تنسبها التجارب لمواطن سوري يختلف عن غيره بأنه “لا يموت من الجوع”، فالشطارة في التحايل على الحياة واستيعاب تناقضات المشهد غير المتزن في ميزان الأسعار دفعته لأخذ الحيطة والحذر ومداراة هوة الفروقات بين الدخل وقيم المواد والسلع، ليصبح بطلاً في الانتصار على ذاته وتمرير همّ العيد من تحت إبط الترشيد وضبط النفقات ومسك اليد عن الصرفيات الكمالية، لتمرّ احتفالية “الفطر” كما غيرها بما يتيسر وبما تملكه من الإيمان ولو كان “بصلة وبطاطا”؟!.
استطاعت الأسرة السورية أن تتكيّف مع الظروف كلها، وتعايش الحياة الاقتصادية “بحلوها ومرّها” بانتعاشها وركودها برخصها وغلائها بقلتها ووفرتها. ويرجع المراقبون هذا الرصيد إلى المرونة والاعتدال القائم على حكمة “مد الرجلين على طول الحصيرة”، وحسن إدارة النفقات المالية في وقت يكتنز المجتمع تكافلاً وتعاضداً وإحساناً وبراً وخيراً جمعياً، تشهد عليه نشاطات الجمعيات والأعمال الخيرية والإنسانية والأهلية التي تسجل حضوراً واسع الطيف في ساحة الدعم والمساعدة على صعيد شمولية الأحداث التي أصابت الكل بشظاياها وسبّبت ندبات يحاول المجتمع تجاوزها بتحفيز الدور الفردي والمؤسساتي إلى جانب الحكومي.
وفي سياق ظرفية الأعياد واشتداد الخناق الاقتصادي على أرباب الأسر من موظفين وحرفيين ومسترزقين وصغار كسبة، وحتى فعاليات مكتنزة لها حصتها في تشغيل قطاعات وأسواق من سوية خمس نجوم، تتجلّى حكايا القلق المشروع حول التصدي لأعباء المناسبات التي تفرض امتحاناً قاسياً لمجتمع يفتخر بكرمه وحسن ضيافته، لتأتي الظروف وقساوة المشهد الاقتصادي لتظهر المستهلك منكفئاً عاجزاً عن القيام بالواجب الديني والاجتماعي والإنساني، كما يفرض “ضيق ذات اليد” إيقاعه على الأيام التقليدية، فكيف الحال بعيد عاد بحال تسيطر قوى السوق وتجار الأزمة على تفاصيلها.
علي بلال قاسم