تونس: جهود حل الأزمة السياسية إلى طريق مسدود
اتهم فراس قفراش المستشار الإعلامي للرئيس التونسي حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي لحزب نداء تونس، بمحاولة جر والده، الرئيس الباجي قائد السبسي، إلى البرلمان من خلال طرح تجديد الثقة في حكومة يوسف الشاهد من قبل البرلمان، وهو ما نفاه قائد السبسي الابن، فيما قال سياسيون: إن الأزمة السياسية قد تقود إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
وقال قفراش: “إن دعوات البعض ونصائحهم لرئيس الدولة بتفعيل الفصل 99 من الدستور ومحاولات استدراجه والزج به في معارك حزبيّة رديئة، لن تُجدي نفعاً”، وشدد، في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تحت عنوان “فاصل سياسيش”، على أن “الباجي قائد السبسي هو الضمانة الأساسيّة لحالة الاستقرار السياسي في البلاد”.
وسارع المدير التنفيذي لحزب حركة نداء تونس حافظ قائد السبسي إلى نفي صحة ما جاء على لسان قفراش، مشدداً على أن ما كتبه ويتضمّن تلميحاً، وكأنه ينقل موقف رئيس الجمهورية لا أساس له من الصحة”، وأضاف، في تدوينة له عبر صفحته الرسمية على فيسبوك: “ما كتبه قفراش يمثّل موقفه الشخصي، فميوله معلومة، وهو يستغل صفته كمستشار لدى رئيس الجمهورية لبث الشكوك لدى الرأي العام السياسي، وقد تأكدنا بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا علم للرئيس بفحوى التدوينة المذكورة”.
غير أن العارفين بطريقة ممارسة الرئيس التونسي للحكم، التي تركّز على إدارة التفاصيل بما فيها تصريحات المقربين منه، يرون أن تدوينة قفراش جاءت بإيعاز منه، في رسالة مفادها أنه يبقى فوق كل التجاذبات السياسية باعتباره عنصر التوازن السياسي الوحيد.
ويرى مراقبون في التراشق بين المدير التنفيذي لنداء تونس ومستشار الرئيس أنه كشفت محاولات لترحيل الأزمة السياسية إلى أزمة دستورية داخل مؤسسة الرئاسة قد تقود في نهاية الأمر إلى استقالة الرئيس التونسي في حال عدم تجديد البرلمان ثقته في الحكومة.
وينصّ الفصل 99 من الدستور التونسي أن “لرئيس الجمهورية أن يطلب من مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها، مرتين على الأكثر خلال كامل المدة الرئاسية، ويتمّ التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب، فإن لم يجدد المجلس الثقة في الحكومة اعتبرت مستقيلة وعندئذ يكلف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر لتكوين حكومة في أجل أقصاه ثلاثون”.
كما ينصّ على أنه “عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، لرئيس الجمهورية الحق في حل المجلس والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها (انتخابات مبكرة) في أجل أدناه خمسة وأربعون يوماً وأقصاه تسعون يوماً، وفي حالة تجديد المجلس الثقة في الحكومة، في المرّتين، يعتبر رئيس الجمهورية مستقيلاً”.
وفي ظل تمسّك الكتل البرلمانية التابعة للنهضة وللجبهة الشعبية ومشروع تونس والتيار الديمقراطي بعدم رحيل يوسف الشاهد يبدو من المستحيل تجديد الثقة في الحكومة.
وتستحوذ الكتل مجتمعة على الأغلبية البرلمانية بـ183 مقعداً من أصل 217 مقعداً.
وكان قائد السبسي رفض خلال الاجتماع الأخير للأطراف الموقّعة على وثيقة قرطاج في 27 أيار بشدة مقترح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي القاضي باللجوء إلى البرلمان قبل أن يعلق العمل بوثيقة قرطاج في مسعى إلى إجبار النهضة على رفع غطائها السياسي عن الشاهد.
والتقطت المعارضة المأزق السياسي بعد تعليق المفاوضات بالعمل بوثيقة قرطاج لتجاهر بأن “الحل الوحيد هو تفعيل الفصل 99″، على حد تعبير أحمد نجيب الشابي رئيس الحركة الديمقراطية في تصريحات لوسائل الإعلام.
وطالب النائب بالبرلمان والأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي الثلاثاء الرئيس التونسي بتفعيل الفصل 99 من الدستور، وقال، في تدوينة على صفحته بفيسبوك: إن مقترحه كفيل بالخروج من الأزمة السياسية الراهنة، وذلك بطلب تصويت البرلمان على تجديد الثقة في حكومة الشاهد من عدمه على أن يتحمّل الائتلاف الحاكم كامل مسؤولياته وأن يقرر، إما تجديد الثقة أو سحبها من الحكومة”، ولفت إلى أن “رئيس الجمهورية غير جاهز للقيام بالإجراءات المعقدة، وغير مستعد لمواجهة الشعب خاصة من يختلف معهم، ويعتبرهم خصومه”.
ويقول خبراء القانون الدستوري: إن “لجوء الرئيس السبسي لتفعيل الفصل 99 هو المخرج الدستوري السليم لوضع حد للأزمة السياسية”.
ويرى قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية أن”خروج الشاهد من الحكومة سيكون بواحدة من فرضيات ثلاث، وهي: إما استقالته، وإما لجوء رئيس الجمهورية للفصل 99 من الدستور، وإما توجيه لائحة لوم للشاهد، إلاّ أنّ هذا الأمر غير ممكن باعتبار أنّ تونس تعيش حالة طوارئ”، وأضاف: إن أغلبية الكتل البرلمانية لا تتبنى سوى مواقف أحزابها، ولذلك فهي غير مستعدة لتجديد الثقة في الحكومة بدافع من أحزابها في ظل التجاذبات السياسية.
ولم يستبعد قيس سعيد أن يقود تفعيل الفصل 99 من الدستور إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وحتى إلى استقالة الرئيس قائد السبسي نظراً لأن الأغلبية متمسّكة برحيل حكومة الشاهد.
وعلى وقع الجدل الذي يعد الأول من نوعه منذ انتخابات 2014 يقول أخصائيون وسياسيون: إن تمسك النهضة بالشاهد رحّل الأزمة السياسية إلى رئاسة الجمهورية.
ويرى حسان القصار المحلل السياسي أن “الأوضاع العامة الهشة التي تشهدها تونس لا تسمح بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مواعيدها المحددة في تشرين الثاني 2019، ويتوقّع أن يبادر السبسي بحل البرلمان وتأجيل الانتخابات ليمارس الحكم من خلال المراسيم وفق الصلاحيات التي يخولها له الدستور.
غير أن مراقبين يستبعدون فرضية القصار لعدة اعتبارات، منها أن الرئيس التونسي نفسه يرفض تفعيل الفصل 99 من الدستور مخافة تداعياته السياسية، ومنها إبداء النهضة استعدادها إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، وتخليها عن الشاهد شرط أن يتمّ تعيين شخصية سياسية بناء على التوافق، لا على تعيينه من قبل رئيس الدولة.
ويرى خبراء القانون الدستوري وسياسيون أن الدعوات إلى اللجوء إلى البرلمان ما هو إلا “فخ دستوري” قد يقود في نهاية الإجراءات المعقدة إلى استقالة الباجي قائد السبسي في ظل تمسك الأغلبية البرلمانية بتجديد الثقة في حكومة الشاهد، ويضيفون: إن الأزمة السياسية تسللت إلى مؤسسة الرئاسة نتيجة فشل قائد السبسي في إدارة المفاوضات وإقناع الغنوشي برفع غطائه السياسي عن الشاهد.