عيد الطفران خيبات وانتكاسات معيشية.. وانفراجات معلّقة على حبل الوعود المنسية!
يأتي عيد الفطر هذا العام والأماني والآمال تتزاحم على أبواب الواقع المتخم بالأعباء المعيشية التي تنغص حياة الناس، خاصة مع غياب الإجراءات والقرارات القادرة على انتشال أحوال المواطن (الطفران) من الحاجة والعوز، ولا شك في أن التباطؤ في اتخاذ قرار زيادة الرواتب شكّل خيبة أمل كبيرة داخل الشارع الذي علّق تطلعاته على حبل الوعود الحكومية، ولكن، للأسف، لم ينل منها سوى الجيوب الخاوية، والدخول السريع في نفق الفقر الذي لا يقل في خطورته عن تلك الأنفاق التي حفرت لتكون قناة للقتل والتدمير والتخريب.
ورغم سقوط ملف الرواتب والأجور بالتقادم، وعدم الاكتراث بنتائجه وتداعياته، إلا أنه لم يسرق فرحة العيد التي يصنعها الناس منذ أكثر من ثماني سنوات بإرادة الحياة، والعزيمة، والتمسك بحقيقة الانتصار، وهي الوحيدة التي أصبحت أكثر حضوراً وتواجداً على امتداد الجغرافيا السورية، أما باقي القضايا والملفات فمازالت غائبة تنتظر تلك القرارات الجريئة التي تريح الناس، وترفع عن حياتهم مئات الأعباء والهموم التي حوّلت أعيادهم إلى أزمات معيشية كبيرة، ليكون هذا العيد كغيره من الأعياد والمناسبات (عيد الطفران)!.
أصحاب النفوس الضعيفة
لم ترحم الأسعار الكاوية جيوب المواطنين، والتي تكوي متطلباتهم واحتياجاتهم اليومية منذ ثماني سنوات بحقد الإرهاب، وما خلّفه من دمار وخراب على كافة الأصعدة، وبجشع التجار أصحاب النفوس الضعيفة الذين يستغلون الأعياد والمناسبات ليمارسوا أقسى أنواع التعذيب بجيوب الناس الذين يقفون عاجزين عن تلبية متطلبات أطفالهم المتشوقين للعيد، ويبدو ذلك ظاهراً على وجوههم، فهم ينتظرونه من عام لآخر لارتداء الملابس الجديدة، وللحصول على العيدية من الأقارب والأحبة، ولأكل السكاكر والشوكولا، وركوب الأراجيح التي تغص بها بعض ساحات دمشق المعروفة، وها هو محمد منصور “أبو نبيل” يعود أدراجه من السوق حاملاً خيبة الأمل بعدم قدرته على شراء ألبسة جديدة لأطفاله، فهو بالكاد يؤمن قوت يومه، وتتساءل ربا عن دور الرقابة في كبح جماح التجار ممن يستغلون حاجة المواطن، ويرفعون الأسعار، فحتى الحلويات أصبح شراؤها حلماً بالنسبة للأسر السورية من أصحاب الدخل المحدود، لكن هدى العدنان “أم جمال”، وهي مهجّرة من حرستا، بالرغم من عدم قدرتها على شراء مستلزماته، وما رأته من ويلات، جعلها تحمد الله ألف مرة بأنها بقيت على قيد الحياة، وتحيي مع السوريين هذه المناسبة المباركة، وتكفيها روح جديدة تمنحها الطاقة والعزيمة تستمدها من هذه المناسبة، ويؤكد مروان على أن أعظم هدية يمكن أن تقدم في هذا العيد هي مشاركة أمهات الشهداء فرحتهم، وليس حزنهم بكل عريس قدمنه فداء للوطن، وتكاد الكلمات تعجز عن التعبير عن مكنونات ما يعتمر صدر مروان الحلبي من ألم وحزن على دماء السوريين التي هدرت في السنوات الماضية، وكان دم أخيه البطل الشهيد قد سال مع شلال الدماء الذي سال بفعل تدبير أيد خبيثة تريد بوطننا السوء، وكذلك كانت لعبير عبد الباقي كباقي السوريين الشرفاء أمنية هي أن يأتي العيد القادم وتكون سورية تعافت من وباء الإرهاب الذي نهش بها، ويعود أبناء الوطن ممن غادروه تحت ظرف قاهر إلى ربوعه ليبدؤوا مسيرة جديدة عنوانها بناء سورية وتعميرها لتعود أجمل من ذي قبل.
بدورها نسرين محمد “موظفة” قالت: نحن نحاول أن نتغلب على آلامنا وهمومنا، وأن نمارس حياتنا بشكل طبيعي، والاحتفال بالعيد، لكن الواقع يصدمنا، فالأسعار مرتفعة جداً، ولا نستطيع مجاراتها برواتبنا التي لم ولن تصمد أمام استغلال البعض للأزمة، والمتاجرة بنا وبلقمة عيش أولادنا، فهؤلاء زادوا من معاناتنا، وغيّبوا ليس فرحة العيد فقط، بل نغصوا أيضاً أيامنا بهموم (لا تعد ولا تحصى).
وشاركتها منى العيسمي “ربة منزل” الحديث لتقول: كنا في السابق نعمل على صناعة الحلويات في منازلنا، ولكن في هذه الأيام الصعبة بات الأمر شبه مستحيل، وغير مجد لا من الناحية الاقتصادية، ولا من الناحية الاجتماعية النفسية، في ظل ارتفاع التكاليف، وحالة القلق القابضة على يوميات حياتنا، إضافة الى الحزن الموجود في البيوت، حيث الشهداء الذين نترحم على أرواحهم الطاهرة، فمن أين يأتي الفرح؟ومن أين تأتي البهجة بالعيد والأهل والجيران، ونحن نعيش أسوأ الظروف، وقلوبنا مجروحة وتنزف ألماً على بلدنا وأولادنا الذين يستبسلون في الدفاع عن بلدهم، وعن حياتنا، والذين نقول لهم: عشتم وعاش الوطن عزيزاً كريماً حراً أبياً، ونقول لأبطال جيشنا الباسل، ولشعبنا الصامد: كل عام وأنتم وبلدنا بألف خير.
غياب الزبائن
هذه الحوارات كانت جزءاً من اللوحة التي حاولنا رسمها حول واقع الأسواق التي كنا نعتقد أنها ستكون في قمة نشاطها، فقد توقعنا أن نجد، “كما في الأيام السابقة”، كل شيء نابضاً بالعيد، فالفرح، والأمان، وضحكات الأطفال كانت رغم التحديات في كل مكان، ولكن، للأسف، الصورة لا تخلو من المشاهد المأساوية، فالآلام والأوجاع كانت حاضرة في كل بيت، وعلى كل وجه، والحياة تنزف بؤساً وحاجة، والأسواق تئن من وطأة الغلاء، وهجرة الأمان، والأحباء والأصدقاء، ورحيل الزبائن، فالشوارع والمحلات التي ازدحمت واجهاتها بكافة الأزياء والتنزيلات التي تدعو المارة للدخول والتسوق لم تكن كسابق عهدها بعد أن افتقدت لأهم مكوناتها، حيث غاب الزبائن في زحمة الحاجة، وإن وجدوا فهم يتجولون بجيوب خاوية تقرع فيها طبول الإفلاس، فكانوا كما يقولون: (العين بصيرة واليد قصيرة)!.
وفي سوق الحمراء لا يختلف المشهد من حيث الحركة والازدحام عن غيره من الأسواق، إلا أنها كانت حركة وهمية تغيب فيها القوة الشرائية الكبيرة التي وصفها أحد أصحاب محلات الألبسة بقوله: “الناس طفرانة ما في مصاري بين أيديها”، ونحن نعمل بكل السبل والوسائل لجذب الزبون من خلال التنزيلات، وتقديم كافة الخدمات التي من شأنها خلق علاقة جيدة معه، وأحياناً كثيرة نتنازل عن مبلغ جيد من أرباحنا بهدف عدم إفلات الزبون، ودفعه للشراء، وتأمين مصروفنا، ورواتب العمال، وكل ما يتعلق بصرفيات المحل، والضرائب.
وخلال جولتنا في الأسواق التقينا العديد من الأشخاص، منهم من كان يحمل أكياساً تحوي بعض مستلزمات العيد، حيث أكدوا أن جولتهم هذه هي تتويج لأشهر من الاقتصاد بالمصروف الضئيل، وتخزين الفائض المتواضع والإلزامي لمثل هذه الحالات في المطمورة التي تحفظ لهم ماء وجههم في المجتمع، وترسم البسمة على وجوه أطفالهم الذين ينتظرون العيد بفارغ الصبر، وقد تحوي هذه المطمورة ثمن بعض المصاغ الذهبي الذي تم بيعه للمساعدة في التغلب على ظروف الحياة، كما أشاروا إلى أن أسعار بعض المواد قد تكون مقبولة ومتناسبة مع التكلفة، إلا أنها لا تتناسب أبداً مع الحالة الاقتصادية، والدخول، وخاصة في هذه الظروف الخانقة وأزمتها، ولفتوا إلى ارتفاع أسعار بعض المواد بشكل غير مقبول، واللافت في حديث هؤلاء تبريرهم لتصرف أصحاب المحلات الذين يحاولون تعويض ما فاتهم من أرباح خلال موسم العيد.
أما القسم الآخر فكانوا من المتفرجين الذين يتجولون في الأسواق بحثاً عن التسلية، وتمضية الوقت في الوقوف طويلاً أمام الواجهات، وإطلاق الوعود لأنفسهم ولأطفالهم باقتراب الفرج، وموعد التسوق، حيث لم تخف ندى الشمعة انزعاجها وغضبها من ارتفاع الأسعار، وهي التي اعتادت شراء الكثير من الأغراض للاحتفال بالعيد، ولكنها في هذه الظروف الصعبة تحاول جاهدة تركيز اختيارها على الأمور الضرورية، فقد اختصرت جولتها التسويقية على بعض المواد الخاصة بالضيافة، أما خليل سلامة الذي كان يركض وراء أولاده الذين يتسابقون إلى المحلات لشراء ملابس العيد، فقد أكد أنه اكتفى بشراء ما يسعد أطفاله فقط، واشتكى من الغلاء الفاحش، وارتفاع الأسعار بشكل لا يصدق، فملابس الأطفال باتت خارج السيطرة، وتعيش حالة جنونية لم يشهدها السوق من قبل، إلى جانب ضعف الدخل وقلة مصادره!.
خلاصة “الحكي”
تثبت المؤشرات الاقتصادية للأسرة السورية المنكوبة بشتى أنواع وأشكال المحن حالة دخول أحوال الناس المعيشية مرحلة حرجة ترفع الغطاء عن حقيقة تذبذب الأداء الحكومي، وبطء استجابته لمتطلبات الواقع الحياتي المحاصر بشتى التحديات، حيث مازال شريان الوعود ينزف بالكثير من الانفراجات العابرة من بوابة السراب التي لم يصل نعيمها الافتراضي بعد إلى المواطن الذي ينظر إلى الإجراءات والخطوات الحكومية من باب الأمل والإيمان مع اقتراب ساعة النصر النهائي على الإرهاب.
بشير فرزان
Basherf72@gmail.com