هيبة الأم تليق بمنى واصف
علم من أعلام الدراما السورية نجحت في أسر قلوب الملايين، فهي السنديانة المنغرسة في أرواحنا والمتجذرة في وجداننا، هي أيقونة الأمل وترنيمة الوجع وأنشودة الأرض وعبق الياسمين تسقط أمامها كل الكلمات والقصائد.
منى واصف الأم الكبيرة التي تفرد ذراعيها لتحتوي كل أبناء هذه الأرض وتكون سفيرة الأمل والعطاء، تحتفظ بالنجاح في قلبها كالفرح والحزن وبكل تواضع تتعامل معه دون أي غرور، وبالتأكيد بنشوة لكن لا تصل إلى مرحلة “يا أرض اشتدّي ما حدا قدي”. لم تخف يوماً من الفشل الذي واجهته في بدايتها كممثّلة مسرح وإذاعة وتلفزيون وسينما، بل استمرت مثل الجواد تكبو ثم تقوم لترمح من جديد. وقد أطلق عليها العديد من الألقاب إلا أن لقب الأم بات لصيقاً باسمها ولازمها نتيجة ما قدمته هذه السيدة من أدوار وليس نتيجة ما نص عليه الورق فباتت الأم في عيون من يكتبها على الورق وفي عيون الكاميرات التي استسلمت أمام موهبتها فتركتها على سجيتها وباغتت عدساتهم بدمعها وشجاعتها وغريزتها الأمومية.
الوطن
حقق “الهيبة” بجزأيه نجاحاً مميزاً، واحتل مكانة رفيعة المستوى في دراما الموسم الرمضاني بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. هو عمل “استثنائي” بقصته وإخراجه وإنتاجه وممثليه الذين بدوا في غالبيتهم نجوماً في الأداء، إلا أن الفنانة القديرة منى واصف في تصريح لها قالت: “أعيش اليوم نجاح هذا الدور وأتذوقه وكأنني أعيش نجاح فيلم الرسالة، فالكلام الذي أسمعه لم أسمع مثله إلا في فيلم الرسالة”، وقد شكرها الفنان تيم حسن عبر حسابه الشخصي بكلمات رائعة لمشاركتها في دورها الاستثنائي، واعتبر وجودها بمثابة سند لـ”الهيبة” فهي “أم جبل” الشامية التي لا تقبل بدور لا تحبه، والمرأة القوية الصلبة والحنونة، والقادرة والمعطاءة، الأم التي تعرف ماذا تريد، فهي مثل الوطن تماماً، تريد أبناءها أن يكونوا حولها، وفي ذات الوقت هي الزوجة التي ناشدت زوجها بأن يصحو من غيبوبته ويستعيد عافيته فهو سندها في الحياة حثته على شد حيله كرامة لقرية الهيبة ولأولاده ثم كرامة لها بعد أن تركت أهلها وأقاربها في الشام من أجل مشاركة الحياة معه ومقاسمته إياها على الحلوة والمرة. مارست “أم جبل” غريزة الأمومة في الحفاظ على أبنائها حتى لا تفقد أي أحد من بينهم وأعطت بفطرتها المعهودة كل مشاعر الأمومة من حنان وسطوة.
الملجأ
بعيداً عن النمطية المتفق عليها في الدراما تقدم السيدة منى واصف دور الأمومة وتجيده تماماً، فهي الأم القاسية تارةً والحنون تارة أخرى –كما رأيناها منذ سنوات في مسلسل “الصندوق الأسود”-تأليف رانيا بيطار وإخراج سيف الشيخ نجيب- كنا أمام امرأة قاسية بملابسها السوداء وعصاها، إلا أنها استطاعت أن تنتقل بنا إلى شخصية الأم الحنون التي تجمع أفراد أسرتها ولا تسمح لهم بالتفرقة بتاتاً مهما كانت الأسباب، في حلقة “روميو وجولييت” من مسلسل “شبابيك” -تأليف مجموعة من الكتاب وإخراج سامر البرقاوي-، لم تؤد “رهف- منى واصف” دور الأم فقط وإنما عاشته بشعورها وأعطته من كل قلبها لدرجة أن الممثل الذي يقف أمامها يشعر بأنها أمه الحقيقية، فكيف المشاهد الذي يشبهها بوطنه الأم؟. اعتدنا دائماً مع الفنانة منى واصف على الحب والعطف والحنان، وقد أطلت جولييت في الحلقة الأخيرة لتصور معنى الحب الحقيقي لزوجها “عماد -روميو- حسن عويتي”، واستطاعت بنقاء قلبها وبراءة ملامحها إقناع الجميع أن الحب وحده كفيل بإعمار بيت يجمع كل أفراد العائلة مهما كانت الخلافات، وأن يكون الملجأ الوحيد للجميع لأنهم أبناءه ولا يمكن للنزاعات أن تدمره.
“أم ورد”
ظلت “أم ورد” تنتقد تصرفات ابنتها “ورد- سلافة معمار” بشكل دائم خاصة مواقفها تجاه زوجها وابنها، إلا أنها أثبتت أنها ككل أم لديها القليل من الضعف والكثير من القوة اتجاه أبنائها في “قلم حمرة” نجد أننا أمام إبداع في التمثيل والأداء، وأمام سحر النقاش الدائر بين ورد وأمها، ورغم الخلافات والنزاعات الدائمة بينهما إلا أن “أم ورد” هي الوحيدة التي استطاعت إخراج ابنتها من مأزقها ولم تتخل عنها أبداً، وفي نهاية المطاف لجأت “ورد” إلى حضن أمها مدركة تماماً أنها الوحيدة القادرة على إزالة وجعها. فقد جسدت “أم ورد” حضن الوطن الذي لا يمكن أن نعيش خارجه حتى لو آلمنا أو تعرض لأزمات إلا أنه يبقى العائلة الكبيرة.
جمان بركات