تحقيقاتصحيفة البعث

السفر في العيد.. أوقات للبهجة والفرح ولم شمل الأحباب

 

رغم قصر مدة عيد الفطر هذا العام، ومصادفته مع أيام العطلة الاعتيادية، لا يوفر أبو أحمد تلك المناسبة الجميلة التي يمكن أن يجتمع فيها مع عائلته الكبيرة في القرية، فيأخذ بعض الأيام إجازة إضافية ليجمعها مع عطلة العيد في إجازة واحدة، وينطلق مع زوجته وأولاده للسفر من دمشق إلى مدينة بانياس مسقط رأسه، ومعايدة الأهل والأحباب، صور كثيرة تحضر في الذاكرة يقوم بسردها أمامنا في وقت سبق رحلته، حيث لا شيء بالنسبة إليه يعود كما كان، يبدأ الرجل الأربعيني حديثه مقارناً بين وقائع كثيرة باتت في معلوم وحسابات معظم السوريين عند التفكير بالسفر، أو التنقل من مكان إلى آخر، أو من محافظة لأخرى، خاصة في ظل ظروف اقتصادية متردية وصعبة، ورغم تحسن الوضع الأمني، إلا أن هناك تراجعاً ملحوظاً في الخدمات التي تقدمها شركات النقل من جهة، وارتفاع أسعار الوقود من جهة أخرى، لتكون هذه الظروف مجتمعة عوامل تعرقل وتؤجل أي مشروع للبهجة والفرح، ولم شمل الأحباب في الأعياد والمناسبات التي تعني السوريين، وتكون فرصة للقاء بينهم.

تكاليف ضخمة
ورغم سفر أبي أحمد وعائلته، إلا أن أسراً كثيرة تحجم عن السفر في العطل القصيرة، لأن الكلفة ستكون عالية، كما يقولون، فالمتطلبات الأساسية للرحلة، أي: (تعبئة السيارة بالوقود، وجلب بعض الحاجات البسيطة، وبعض الهدايا)، تتجاوز إمكانية الموظف العادي، والسفر اليوم مشروع قائم بحد ذاته بالنسبة للكثيرين، إذ باتت تكاليفه مرهقة للأسر السورية، وخاصة بالنسبة للموظفين وأصحاب الدخل المحدود، ويكفي أن نقول إن أجور الشاليهات تضاعفت لحدود خيالية، وما يساعد البعض للسفر إلى المدن الساحلية وجود أهل وأقارب لهم في تلك المناطق، وإلا فالوضع سيكون أكثر صعوبة، والتكاليف أكثر إرهاقاً، بعكس ما كان سابقاً، فمثلاً كان يمكن للأسرة السورية في أعوام سبقت الحرب من عام 2000 وحتى عام 2010 التنقل بين المحافظات بأريحية، والسفر بتكاليف بسيطة جداً، وإحضار الهدايا والحلويات لكل من تزوره، ولكن اليوم كل شيء تغير، واختفت بهجة العيد، وأصبحت ضريبة الفرح مرتفعة، ناهيك عن طول مدة السفر بسبب الحواجز، وإجراءات السلامة الأمنية التي يتطلبها الانتقال من محافظة إلى أخرى!.

عروض المواسم
رغم الصعوبات والإشكاليات العديدة التي ذكرت في المثال السابق، بدت حركة السفر في هذا العيد نشطة، والحجوزات بالجملة من دمشق للكثير من المسافرين الراغبين في إنهاء الموسم الصيفي بمعايدة أقاربهم في المحافظات الأخرى، ففي مكتب حجز لإحدى شركات النقل الخاصة التي باتت محدودة جداً، يبدو العيد موسماً جيداً، والحجوزات نشطة، والكثير من الرحلات أصبحت غير شاغرة قبل أيام من موعدها، يقول رائد، موظف في الشركة: للأسف لم تعد الأمور كما كانت سابقاً، كنا كشركة نقدم عروضاً كثيرة للمسافرين في أيام سبقت هذه الحرب، فكان يمكن للمسافر مثلاً أن يحصل على تذكرة سفر مجانية بعد جمع 6 بطاقات سافر فيها سابقاً، وكنا نقوم بتخفيضات وحسم على الأطفال الصغار، لكن هذا الأمر لم يعد ممكناً اليوم، خاصة في ظل الارتفاعات المستمرة لأسعار الوقود، والأوضاع الأمنية الحساسة التي تشهدها طرق السفر، والتي تحمّل شركات النقل أعباء كثيرة!.

مزاجية “الفانات”!
وفي ظل الواقع الجديد الذي فرضته الأحداث السورية، وواقع النقل المتردي بين المحافظات، والشركات القليلة الخاصة التي تعمل في ظروف أمنية صعبة، وواقع اقتصادي متقلب، بدا أن الكفة رجحت في اختيار طرق جديدة للسفر، وهي طريقة فرضها واقع الحال، ودرجت في الأزمة باستخدام “الفانات” الخاصة للسفر، أو “التكاسي”، وهذه السيارات الصغيرة مفضلة بالنسبة لمسافرين كثر لسهولة حركتها، وتوقفها داخل المدن، أو وصولها إلى قرى كثيرة في المحافظات السورية، وحركتها خفيفة وسهلة بعكس الباصات والبولمانات الكبيرة التي تتطلب التوجه لأطراف المدن حيث “الكراجات”، ويقول عمار، الشاب الذي يسكن في منطقة المزة: هذه الطريقة جيدة جداً، ووفرت على مسافرين كثر عناء التنقل المتكرر في المدينة قبل السفر، ولكن من المهم جداً تنظيمها ومراقبتها، خاصة أن هناك مزاجية كبيرة، فكل سائق فان يضع تسعيرة خاصة به، إضافة للمشكلات التي قد تحدث أحياناً بموضوع توزيع المقاعد، وجلوس الركاب، ويذكر عمار سلبية أخرى لهذه السيارات أنها لا تستطيع في أحيان كثيرة استيعاب حوائج وحقائب الركاب، وهنا يمكن الحديث عن ضرورة تدخل الوزارات المعنية كوزارة النقل، وحماية المستهلك ودوائر الخدمات في المحافظات، فيمكن على سبيل المثال منح تراخيص لشركات خاصة تعتمد هذه الطريقة في ظل الحاجة لها.

أولويات
من جهة أخرى يبدو أن الظروف المعيشية والواقع المتردي قد حرم الكثيرين من السفر في العيد، وقضاء بهجته، فرغم أن فترة العطلة وتوقيتها مناسبان، لم يسافر بعض من قابلناهم، وفضّلوا قضاء هذه العطلة في منازلهم، والانشغال بأمور أخرى، يقول عمار، (موظف): إن الأولوية بالنسبة له هي لحضور كأس العالم، والاستعداد لمشاهدة فعالياته التي تتزامن مع بداية العيد، في حين يخطط لؤي للتوجه إلى أحد المطاعم في باب توما، أو منطقة باب شرقي بدلاً من السفر، خاصة بعد الأمن والاستقرار الذي شهدته تلك المناطق، أما هاني فيقول إن عطلة العيد قصيرة، ولذلك سيقوم بزيارة بعض الأقارب والأصدقاء، وسيلازم منزله في المتبقي من الوقت.

محمد محمود