مبادرات تطوعية في اللاذقية أهـالي قريـة يـاسنس يردمون 100 حـفـرة عـلى نفقتهم.. والستانية تستعد لتنفيذ المبادرة ذاتها
تعد الأعمال التطوعية أحد المصادر المهمة لتحسين الواقع الخدمي، لأنها تتيح للأشخاص الفرصة للانخراط الإيجابي في حاجات المجتمع من خلال تنفيذ المبادرات الشبابية التي مهما كانت صغيرة ورمزية إلا أنها تترك أثراً فعالاً وإيجابياً، خاصة في ظل الأزمة التي تشهدها البلاد منذ أكثر من سبعة أعوام، حيث اتخذت المبادرات التطوعية أشكالاً متعددة شملت مجالات متنوعة: اجتماعية، وبيئية، وخدمية ساهمت بالنهوض بواقع المجتمع نحو الأفضل الذي لا يختلف عليه اثنان.
وفي أغلب الأحيان يكون الدافع وراء العمل التطوعي في أي مكان هو الحاجة، أو الرغبة في وضع حد لواقع قائم منذ سنوات دون أي تغيير، وخير مثال على ذلك هو المبادرة التطوعية التي قامت بها مجموعة من شباب قرية ياسنس التابعة لناحية المزيرعة بمحافظة اللاذقية، حيث ردموا 100 حفرة في قريتهم على نفقتهم الخاصة، وذلك لأن الأهالي لم يعودوا قادرين على الوقوف مكتوفي الأيدي أمام تردي حال الطرقات، وحوادث السيارات التي باتت شبه يومية!.
لن تكون المبادرة الأخيرة
مهند حسن، صاحب فكرة العمل التطوعي، قال: تولّدت لدينا فكرة المبادرة من رحم معاناتنا الطويلة مع الحفر المنتشرة في طرقات القرية، خاصة عندما تكررت حادثة وقوع السيارات العابرة بإحدى الحفر الكبيرة، ما استدعى من شباب القرية مؤازرة أصحاب السيارات، والمساعدة في رفعها، فقد أصبحت الحفر عميقة جداً، وتسببت بحوادث كثيرة.
وأضاف حسن: دعوت أصدقائي من شباب القرية للمساهمة في ردم الحفر، مع العلم أن لا أحد منهم لديه سيارة، واقترحنا على رئيس بلدية طرجانو التي نتبع لها مساعدتنا بالحصول على الموافقات، ورفدنا بالآليات المطلوبة، وبالفعل رحّب رئيس البلدية بالفكرة، ثم بدأنا بجمع التبرعات من الأهالي، وشراء المواد اللازمة، مؤكداً أنه تم إنجاز المرحلة الأولى من ردم الحفر، فيما سيباشرون قريباً بالمرحلة الثانية.
وأوضح حسن أن الأعمال غير المنتهية لعدد من المؤسسات الخدمية في اللاذقية كانت وراء تلك الحفر التي طال بقاؤها دون ردم، مع العلم أن أهالي القرية تقدموا بشكاوى عدة إلى الجهات المعنية عن طريق بلدية طرجانو التي تتبع لها القرية، ولكن لا يوجد أي رد، مع العلم أن هناك حفراً تصل لأكثر من عمق متر، وبطول ستة أمتار.
هذه المبادرة التطوعية لم تكن الأولى التي يقوم بها أهالي ياسنس لتحسين واقع حال قريتهم، إذ بيّن حسن أنهم قاموا خلال العام الماضي بمبادرة تطوعية في مدرسة القرية شملت تركيب قفل للمدرسة التي كانت مفتوحة على مدار الساعة، وإصلاح أنابيب المياه لإيصالها إلى المدرسة التي لم تكن تصلها سابقاً.
وكما أن مبادرة ردم الحفر لم تكن الأولى فإنها كما يبدو لن تكون الأخيرة، خاصة بعد أن أكد حسن أن أهالي القرية يفكرون بالقيام بمبادرة جديدة لإزالة الأعشاب المنتشرة بكثافة على جانبي الطرق الضيقة أساساً، ما يؤدي إلى تسهيل حركة مرور السيارات.
لم نستطع ردم جميع الحفر
حسن حيدر، أحد الشباب المتطوعين، أكد أنه رغم إجماع أهالي القرية على أن ترميم الطرقات وصيانتها من واجب الجهات المعنية في المحافظة، إلا أنهم قرروا تنفيذ مبادرة ردم الحفر لأن واقع حال الطريق المؤدي إلى ياسنس سيئ جداً، حيث تنتشر الحفر والمطبات بالجملة.
وأشار حيدر إلى أنهم لم يستطيعوا ردم سوى نصف عدد الحفر الموجودة في القرية بسبب أن المبلغ الذي قاموا بجمعه لم يكف لردم جميع الحفر، ناهيك عن ارتفاع أسعار المواد.
وأضاف: الحفر التي قمنا بردمها عميقة، وعمرها خمس سنوات، ولم يصر إلى ردمها، وتزفيت الطرق التي تشهد غالباً حوادث سقوط السيارات في الحفر، الأمر الذي حفّز الأهالي على التبرع، والمساهمة بتنفيذ المبادرة التي شكّلت سابقة من نوعها في المنطقة.
كما أشار حيدر إلى أن الأشجار والأعشاب ممتدة إلى الطرق الضيقة أصلاً، والأنكى أنه إذا التقت سيارتان على الطريق فإن أحد السائقين يضطر للوقوف حتى يمرر السيارة الأخرى، ناهيك عن الحفر المنتشرة على جانبي الطرق، والمطبات التي توجد بكثافة، وخاصة في المرتفعات!.
ثقافة العمل التطوعي
المهندس كنان محمد، رئيس بلدية طرجانو المسؤولة عن قرية ياسنس، قال: رحبنا كثيراً بالمبادرة التطوعية من قبل أهالي ياسنس انطلاقاً من واجب البلدية في تقديم المساعدة، وتسهيل الأمور وفقاً للمرسوم التشريعي رقم ١٠٧ لعام ٢٠١١ الذي ينص على أهمية العمل التطوعي والشعبي.
وأوضح محمد بأنه تم إرسال كتاب لمحافظ اللاذقية، وبعد الحصول على الموافقة عرضت البلدية تقديم الآليات، ورفد الشباب المتطوعين بالعمال، كما تبرعت بالمال أسوة بالأهالي.
وحول المسؤول عن الحفر المنتشرة في طرقات القرية، بيّن محمد بأنهم أرسلوا ثلاثة كتب رسمية عن طريق مكتب المحافظ بخصوص ردم الحفر التابعة لمؤسسة الاتصالات، وحتى تاريخه لم يتم الرد، مؤكداً أن مدير الخدمات الفنية وعد بأنه سيتم مسح خط المزيرعة، وصيانة الطريق.
كما أشار محمد إلى أنه يعمل على جملة أفكار لمشاريع تطوعية جديدة تخدم المنطقة مثل: حملة النظافة، وتوسيع الطريق في قرية طرجانو، مبيّناً أنه يقوم يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع بزيارة واحدة من القرى الـ 22 التابعة لطرجانو، ولقاء الأهالي بغية الاطلاع على الواقع الخدمي، وسماع شكواهم وهمومهم، ويضيف: فضلاً عن نشر ثقافة العمل التطوعي التي تعد حديثة على مجتمعنا، وليس بالأمر السهل تطبيقها، إذ تتطلب طاقات وعلاقات كبيرة، بالإضافة إلى الدعم الذي دونه لا يمكن لأي عمل أن يحقق النجاح المطلوب.
ونوّه محمد بأن المبادرة التطوعية في ياسنس حفّزت أهالي بقية القرى المجاورة للقيام بمبادرات مماثلة، مبيّناً أن أهالي قرية الستانية التابعة لبلدية طرجانو بدؤوا بجمع المال من أجل ردم الحفر الموجودة في قريتهم، وذلك أسوة بالعمل التطوعي الذي قام به أهالي ياسنس.
وشدد محمد على أهمية نشر ثقافة العمل التطوعي في المجتمع لما فيه من فائدة تؤدي إلى النهوض بواقع حال القرى، خاصة في ظروف الحرب الإرهابية التي تشهدها سورية منذ سبع سنوات!.
باسل يوسف