بعد تبنيها ودعمها الزراعات الأسرية.. خطوة متقدمة نحو مجتمع منتج.. ودعم يحقق الاكتفاء الذاتي والمورد الاقتصادي
الحكومة خصصت مبلغ مليار ليرة كدعم إضافي لتنفيذ المرحلة الثانية من برنامج الزراعات الأسرية، ومصطلح الزراعات الأسرية لم يعرف بشكله الحالي كمصطلح زراعي إلا بعد توجه الحكومة نحو هذه الزراعة، وتشجيعها ودعمها مادياً لهذا المشروع عبر تقديم منح خاصة بهذا البرنامج، وإن كان هذا البرنامج مطبقاً بشكل عفوي في ريف السويداء، حيث دفعت الظروف الحالية المرتبطة بالأزمة في البلاد الكثير من الأسر الريفية لإعادة إحياء الزراعة الأسرية، أو ما يعرف بالحديقة المنزلية، سعياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه المواد، وتحقيق ربح جراء بيع الفائض عن حاجتها.
والزراعة الأسرية بالتعريف تضم كل الأنشطة الزراعية التي تعتمد على نشاط الأسرة، حيث ترتبط بالعديد من مجالات التنمية الريفية، لتشكّل وسيلة لتنظيم الإنتاج في مجالات الزراعة، حيث تعتمد بشكل رئيس على العمالة الأسرية، ما يمنحها دوراً اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً مهماً، فأين وصل هذا البرنامج؟ وما هي النتائج المتوقع تحقيقها؟ وهل من خطوات قادمة؟.
صنع في بيتنا
بعيداً عن التعريفات الأكاديمية قمنا بزيارة عدد من المشاريع في بلدة حبران، وهي بلدة كغيرها من بلدات السويداء تمتاز بهندستها الطبيعية الخاصة التي تعطي ساكنيها متسعاً من الحركة لتنفيذ مثل هذا النوع من البرامج الزراعية، والتي هي معتمدة أصلاً عندهم، وإن لم يكن بالشكل الممنهج والعلمي المدروس.
أم ماهر وعائلتها مثلاً واحدة من عشرات العائلات التي قررت مواجهة صعوبات العيش، والصمود في وجه التحديات عبر رفع شعار تحقيق الاكتفاء الذاتي الذي يشكّل أحد أهم أهداف مشروع الزراعات الأسرية، فالحصول على لقمة العيش هناك ليس بالأمر الميسر، فالكثير من الجهد والتعب يحتاجون إليه لتحقيق شعارهم: “غذاؤنا من صنع أيدينا”، وتبقى الابتسامة واحدة من مفاتيح بساطة العيش وعفويتها، هندسة خاصة لأركان المنزل تجعله أكثر ملاءمة للواقع، فكل ركن من أركانه الخارجية أسندت له وظيفة محددة من وظائف برنامجهم الأسري، حيث قسمت أجزاء الحديقة المنزلية إلى أقسام شبه متساوية إلا في بعض المسطحات الأكثر اتساعاً لأهمية نوع الخضار المزروع فيها، وبالنتيجة مائدة متكاملة ومتنوعة من المأكولات، وعليها بصمة “صنع في بيتنا”، تقول أم ماهر: إنني لو انقطعت فترة طويلة لا أضطر لشراء شيء، فبيتنا يحوي كافة الأصناف من “مونة” الشتاء، وكذلك الصيف من البرغل، إلى الكشك، إلى الخضروات، وصولاً إلى السمن العربي، وزيت الزيتون، واللحوم، وتتابع أم ماهر التي تدل ابتسامتها التي لا تفارق وجهها أن الأسرة هنا عليها الاعتماد على ذاتها في كل شيء حتى تستطيع الصمود والبقاء، فالواقع صعب، وتأقلمنا معه بصبرنا تارة، وحسن تدبيرنا تارة أخرى.
مجتمع منتج
مثال أم ماهر وعائلتها دليل على أن التجربة موجودة سابقاً، ولكن اللمسة الحكومية جاءت لتعطيها بعداً أكثر اتساعاً وانتشاراً، ففي بلدة حبران وحدها هناك 40 حديقة منزلية تم دعمها حكومياً، طبعاً هناك العشرات من الحدائق، وإن كانت خارج إطار التجربة، جولتنا كانت على عدد من تلك الحدائق، شتول البندورة، والكوسا، والباذنجان، والخيار، بدأت رحلة نموها، وآمال الريفيات أيضاً بدأت تنمو معها، والهدف نجاح التجربة.
تقول الريفية فريال درويش إنها وجدت في فسحة منزلها مكاناً مناسباً لزراعة بعض الخضار والبقوليات التي تحتاجها الأسرة، مساحة الحديقة التي لا تتجاوز 500 متر كفيلة، حسب درويش، بتحقيق الاكتفاء الذاتي للأسرة، وتسويق الفائض بأسعار تؤمن ربحاً معقولاً يساند دخل الأسرة، المبادرة بالنسبة لهيام الحيناني ليست مجرد استثمار قطعة أرض، بل هي مساهمة في العودة إلى المجتمع المنتج الذي تحول إلى مجتمع مستهلك، وطالبت بالتوسع في هذا المشروع كي يشمل كافة الأسر الريفية.
تفاعل إيجابي
اهتمام مديرية الزراعة بإنجاح التجربة كان واضحاً من خلال تفاعل الريفيات مع المشرفين، متابعة شبه يومية تقود المشروع باتجاه النجاح، ويبدو أن أولى ملامح النجاح بدأت تظهر.
تقول وداد حمدان، مسؤولة المرأة الريفية في الوحدة الإرشادية بالكفر: إن استجابة الأسر للمشروع كانت جيدة، حيث لاقت التجربة الاهتمام الكبير والتفاعل، وبالتالي نجد أن النتائج بدأت تظهر بشكل إيجابي، ويتم تقديم الإرشاد اللازم لهم للحصول على أفضل النتائج عبر المتابعة الميدانية المستمرة لهذه المشاريع منذ اللحظة الأولى لتأسيسها، حيث تم إجراء بيان عملي حول كيفية تمديد الشبكات، وزراعة البذار، ومن ثم متابعة عمليات النمو في مختلف أطوارها، ومن المتوقع أن تبدأ هذه المشاريع بالإنتاج منتصف الشهر القادم.
خطوة إيجابية
ملاحق المنازل، أو ما يمكن تسميتها بالحدائق المنزلية، هدف الحكومة الساعية إلى استثمار كل الحيازات الزراعية بالشكل الأمثل، لما لذلك من دور في تعزيز الإنتاج الزراعي الوطني، نتائج مذهلة يمكن تحقيقها من عملية الاستثمار تلك، وأولها تحول الريف إلى واحات خضراء.
يقول رئيس اتحاد الفلاحين في السويداء إحسان جنود: إن الزراعات الأسرية تشكّل انطلاقة فعلية استراتيجية لاستثمار كل شبر قابل للزراعة، وتقديم الدعم الحكومي لنشر هذا النظام الزراعي يمثّل خطوة إيجابية من خطوات تعزيز الإنتاجية التي طالما عمل عليها اتحاد الفلاحين نظراً لدورها في تأمين مصدر دخل إضافي للأسر الريفية، وزيادة نسبة الاكتفاء الذاتي لهذه الأسر.
وبيّن جنود أن هذه الخطوة تساهم في تنشيط الخطط الزراعية التي أثقلتها سنوات الأزمة، وأعاقت تطورها، وتسارع وتيرتها، وتؤمن في الوقت ذاته توفير فرص عمل في المناطق الريفية، مبيّناً أهمية تضافر كافة الجهود لنجاح هذه التجربة لما لها من دور في مواجهة التحديات الاقتصادية، وتحسين المستوى المعيشي للأسر الريفية، وتعزيز الأمن الغذائي، والحد من الاعتماد على الاستيراد، والمساهمة في تعزيز متانة الاقتصاد.
“بحصة بتسند جرة”
التجربة ينطبق عليها المثل الشعبي المعروف: “بحصة بتسند جرة” بشكل واقعي، فعدد من البذار مع بضعة أمتار من شبكات ري التنقيط لكل أسرة قد لا تكون لها أية دلالة اقتصادية في حسابات الدخل الأسري، ولكن بالنتائج نجد مئات الأطنان من المنتجات الزراعية لهذه البذار تضخ في الأسواق المحلية بشكل يحقق الاكتفاء الذاتي لهذه الأسواق من المنتجات الزراعية الأساسية التي تحتاجها المنازل بشكل يومي.
وبالعودة لمثل البحصة والجرة فإن هذه التجربة تشكّل مصدر دخل رديفاً للأسر الريفية، أقله تحقق الاكتفاء الذاتي من تلك المنتجات، وهذا ينسحب على فاتورة المصاريف، ويخفف من بعض مكوناتها، وقد تساهم في تأمين مصدر مالي، وإن كان بسيطاً ولكنه “يسند”.
وبلغة الأرقام التي تعطي مؤشراً حقيقياً يمكن القراءة من خلاله، وحسب مديرية الزراعة في السويداء فإنه تم في المرحلة الأولى توزيع 1000 منحة مكونة من شبكات ري، وبذور صيفية، وهي بذور البندورة، والباذنجان، والكوسا، والخيار، والشبكات مقسمة حسب حجم الحديقة المنزلية إلى ثلاثة أقسام، أكبرها 500 متر، وأصغرها 300 متر، إضافة إلى 400 متر، ووفق دراسات مديرية الزراعة أيضاً كل 100 متر ينتج 300 كيلوغرام بندورة، أو 250 كيلوغراماً من الباذنجان، أو الخيار، وكذلك الكوسا، أي أن مجموع الشبكات يحتاج لأكثر من مليون و250 ألف شتلة، وتنتج كل شبكة أكثر من طن من الخضار بأسوأ حالاتها لتصل إلى طن ونصف من الخضار في حال نجحت التجربة، وبالمحصلة أكثر من ألف طن من الخضروات، وبلغة الكيلوغرامات مليون كيلوغرام يتم ضخها في السوق المحلية.
استثمار الملحق المنزلي
مدير زراعة السويداء المهندس أيهم حامد كشف أن تنفيذ مشروع الزراعات الأسرية يشمل ألفي أسرة موزعة في 44 قرية، مبيّناً أنه تم تنفيذ المرحلة الأولى، وشملت ألف أسرة موزعة في 23 قرية، وسيتم تنفيذ المرحلة الثانية في الشهر التاسع من هذا العام، وأضاف حامد بأن كل منحة من المنح المخصصة مقسمة إلى ثلاثة أقسام: الأول منها يشمل بذار الخضار الصيفية وتشمل: الخيار، والبندورة، والكوسا، والباذنجان، أما القسم الثاني فيتضمن بذاراً شتوية، وتشمل: الفول، والبازلاء، والفجل، والسبانخ، أما القسم الثالث فهي تشمل منحة شبكة ري بالتنقيط حسب مساحة الحدائق 300- 400- 500 متر مربع، وبيّن مدير الزراعة أن فكرة المشروع قائمة على فكرة استثمار مساحة الأرض الملحقة بالمنزل الريفي لتأسيس زراعة الخضار الصيفي والشتوي، وتقديم مستلزمات هذه الزراعة للأسر مجاناً بالشكل الذي يمكنها من تأمين الاكتفاء الغذائي الذاتي، وتسويق الفائض منه، أو استخدامه في الصناعات الزراعية مثل المربيات، والمخللات، وهذا يحقق دخلاً رديفاً للأسرة، ما يساعد على تحسين وضعها الاقتصادي.
أما معايير الاستهداف فأولها، حسب مدير الزراعة، رغبة الأسرة بالعمل، والإقامة الدائمة بالقرية، ووجود أرض ملحقة بالمنزل، وتوفير مصدر للري، وتعطى الأولوية للأسر الأشد فقراً، وأسر الشهداء والجرحى التي تعيلها نساء.
ربط الإنتاج بالصناعة
اليوم وبعد أن قررت الحكومة “التشمير” عن ساعديها، وتبني مثل هذا النوع من الاستثمار، لابد من خطوات إضافية، أهمها الاهتمام بالصناعات الغذائية المنزلية باعتبارها مكملة للخطوة الأولى عبر تقديم قروض خاصة بالتصنيع الغذائي، وهنا نتحدث عن قروض بمبالغ تساهم بتحقيق النتائج المطلوبة، وكذلك التوسع بإقامة المعارض الوطنية، وعدم الاكتفاء بالمعارض المحلية التي تقام تحت مسمى معارض منتجات المرأة الريفية، وعلى أهميتها المطلوب التوسع، والخروج من دائرة بيع الماء في حارة “السقايين”، مثال ذلك معرض بيع دبس العنب في السويداء، لا شك في أنه لن يحقق أية إضافة، رغم أهمية المنتج الذي يرتقي لمستوى العالمية.
رفعت الديك