دوامة الدراما الموسمية في السبع العجاف
غادرنا شهر رمضان الكريم بكلِّ عطاياه الدراميّة، ليسارع النقاد فتكاً بالمسلسلات وخاصة تلك التي وقعت بشرك النهايات المألوفة. وقد يكون هذا الجلد صحيّاً ولكنه بالتأكيد ليس صحيحاً في معظمه. ليس أنّ ما قُدِّم لا يعيبه شيء- درامياً على الأقل- ولكن لأن المشكلة الجوهرية ليست بالعمل وإنما بالنهج الذي أضحت تسلكه شركات الإنتاج، بكلام آخر، تحويل وحصر شركات الإنتاج أعمالها بالإنتاجات الموسميّة ما سبب العديد من الكوارث بحقها وحقّ المتابع.
بدايةً سنتحدث عن سبب هذا التحول، ولذا يجب أن نميّز بين الحالة السورية والحالة العربيّة، وأما الأخيرة، لم تكن مُجبَرةً على هذا التحول وإنما فضلت الاستسلام لغزو المسلسلات التركية طوال السنة، وتعلّق المشاهد العربي بهذه الأعمال وشعبية نجومها نتيجة تنوعها بين التاريخي والاجتماعي وبعدها عن الواقع العربي المرير خلال سنوات ما يسمى الربيع العربي، زاد الطين بلّة، فأصبح المشاهد يفضلها ليلوذ ولو لساعات عن واقعه إلى خيال فرضته هذه الأعمال. والمخيف هو تقليد الأعمال التركية- وفيما بعد اللاتينية التي بدأت بالرواج- وهذا ما لاحظناه في الأعمال المصرية خلال الموسمين الرمضانيين الأخيرين.
سورياً، شهدت السنوات السبع الماضية تحولاً وانحداراً تدريجيين بمستوى الدراما سواء من الناحية الإنتاجية أو من الناحية الفنيّة، ويعود ذلك لصعوبة تسويقها عربياً واللجوء إلى الدراما المشتركة- التي لاقت نجاحاً كبيراً هذا العام- وإنتاج أعمال تجارية تهدف للربح فقط كالأجزاء الخمسة الأخيرة من باب الحارة وبعض أجزاء أعمال البيئة الشامية الأخرى. أي أصبح الهمّ هو التواجد السوري بأعمال رمضانية بغض النظر عن جودتها وقيمتها الفنية.
ورغم محاولة بعض الشركات الخروج عن السوق الموسمية ومواكبة موجة التطور، بتسويق أعمالها عبر خدمة الـ”IPTV” أو القنوات المشفرة، كعمل “شوق” العام الماضي وعملي “شك” و”وردة شامية” هذا العام، لم تلقَ النجاح المطلوب، ولكنها تعتبر محاولة جيدة يجب المثابرة عليها في سبيل عودة الانتشار والتسويق وكحلّ مبدئيّ لحصار الدراما السوريّة.
أما انعكاسات الدراما الموسميّة فتمثّلت بنهايات المسلسلات، فأجمل ما ننتظره هو النهاية غير المتوقعة والمفاجآت التي تحبس الأنفاس وإلى ماذا سيؤول مصير الشخصيات التي تعلقنا بها، لكننا فقدنا هذه الروح الإبداعية في مسلسلاتنا التي أصبحت كلاسيكية وضعيفة، يتمكن فيها المتابع من معرفة الخواتيم منذ الحلقة الخامسة عشرة.
ويعيب الكثيرون، جمهوراً ونقاداً، غياب الوعظ الأخلاقي فيها، فقد سيطر العنف والانتقام على معظم هذه الأعمال، حتى التاريخية منها سلطت الضوء على الجانب البشع من شخصيات العمل. كما كان للحب جلّادوه، شوهته الخيانة حيناً وظلم الحياة أحياناً، وفسح مجال صغير في الحلقات الأخيرة ليعمّ العدل والخير.
وختاماً، تظلّ الدراما العربيّة محتجبة طوال العام، وعليه يجب على شركات الإنتاج صناعة مسلسلات بجودة عالية وخاصةً أنها تغيب طوال السنة لتقديم عمل واحد ولمدة شهر كامل، وهو أمر غير مقبول بالنسبة للمتابع لأن من حقّه أن يشاهد دراما تروي انتظاره، لا مسلسلات تفقد بريقها في الثلث الأخير من الشهر الفضيل ويمكن اختصار قصتها في عشر حلقات أو أقل، فيخيب الظن، وهو أمر غير مقبول من قبل شركات تربح مبالغ طائلة.
سامر الخير