فرصة لتحقيق الاستقرار في أوروبا
ترجمة وإعداد: علاء العطار
إن تحسين اقتصاد وحوكمة كل بلد من منطقة البلقان هو أفضل وسيلة لبناء دعم سياسي عميق وواسع للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كما أنه سيعطي الاتحاد الأوروبي خياراً بعدم قبول كل دولة على حدة، بل القبول بها جميعاً كمجموعة متكاملة متوافقة مع القوانين والمعايير الأوروبية بشكل أكبر من بعض الأعضاء الحاليين، وسيساعد قيام اتحاد بين هذه البلدان على تجنب إحياء المنافسات الإقليمية، وبإمكان تلك البلدان أيضاً أن تعمل معاً على حل أهم الحواجز السياسية التي تحول دون قبول الاتحاد الأوروبي لأي بلد بمفرده، بما فيها النزاعات الإقليمية، والفساد، والجريمة المنظمة، والبوسنة والهرسك هي أكثر من عليه العمل على ذلك، لأنها لاتزال غارقة في الإرث المعقد لاتفاق دايتون وكوسوفو.
ومنذ التفكك العنيف ليوغسلافيا، تحسنت آفاق المنطقة مع تحرك الدول نحو عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، سلوفينيا وكرواتيا عضوان في الاتحاد الأوروبي، ومونتينيغرو وصربيا مرشّحتان، ويمكن لألبانيا أن تلحق بهما، كما هو حال مقدونيا الشمالية بعد أن تم حل خلاف التسمية فيها.
فقد استغرق الأمر ما يقارب الـ 25 عاماً للتوصل إلى اتفاق بين حكومتي أثينا وسكوبي حول تسمية الكيان الذي كان يعرف باسم جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة، وسيكون من الخطأ تجاهل هذا الأمر واعتباره تطوراً ثانوياً، خاصة الآن، حيث وصلت وحدة التحالف عبر الأطلسي إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب العالمية الثانية، في وقت تواجه فيه وحدة الاتحاد الأوروبي تحديات جديدة في كل انتخابات وطنية.
في الحقيقة، إن التوصل للتسوية التاريخية في إعادة تسمية هذا البلد جمهورية مقدونيا الشمالية، وبالتالي تلطيف التنافس على التاريخ الوطني، يتيح فرصة أمام قادة أوروبا والولايات المتحدة لتحدي الاتجاهات الحالية، والبدء في تشكيل مستقبل آمن للبلقان، وهو إنجاز من شأنه أن يساعد في ضمان الاستقرار في كل أوروبا، إلا أن إمكانية تقويض الاتفاق حول مقدونيا لاتزال قائمة بعد أن تم التوصل إليه بشق الأنفس، فالمنطقة تشتهر بتاريخها المأساوي، وهي المكان الذي بدأت فيه الحرب العالمية الأولى، وساحة الصراع الأكثر دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة وأوروبا ليستا اللاعبين الوحيدين في المنطقة، فقد أوضحت روسيا أنها ستتدخل في حال تهددت مصالحها، خاصة عندما يتعلق الأمر بانضمام المنطقة المحتمل لحلف الناتو، وأصبحت الصين الآن واحدة من أكبر المستثمرين في المنطقة، مع خطط طموحة لجعل البلقان نقطة الدخول الرئيسية لمبادرة “حزام واحد، طريق واحد” إلى أوروبا.
وتدعو الحاجة إلى استجابة حازمة لمواجهة هذه التوجهات، ولكنها لن تكون سهلة، فالاتحاد الأوروبي منهك، وتأتي بعض مشكلاته الشائكة من دول انضمت منذ عام 2004: النزاع الحدودي طويل الأمد بين كرواتيا وسلوفينيا، والحضور التركي في قبرص، والأعمال المناهضة للديمقراطية في بولندا والمجر، لكن الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون قال في الشهر الماضي بأنه لا يمكن أن نشهد انضماماً أوروبياً جديداً مالم تُصلح أوروبا نفسها.
وتريد الغالبية العظمى من سكان منطقة البلقان روابط وثيقة مع الغرب، وبالأخص عضوية في الاتحاد الأوروبي، وهذا ينطبق حتى في بلغراد الموالية لروسيا، وكان رئيس صربيا، ألكسندر فوتشيتش، في حكومة سلوبودان ميلوسيفيتش خلال تفجيرات الناتو عام 1999، ومع ذلك، بنى إرثه بالكامل على طموحاته في اندماج صربيا في أوروبا، وقد أقام مع رئيس وزراء ألبانيا، ادي راما، علاقة وثيقة ساعدت على استقرار المنطقة.
ويمكن لمبادرة إقليمية جريئة لإنشاء اتحاد اقتصادي في البلقان، تستند إلى قوانين مشابهة لقوانين الاتحاد الأوروبي، أن تستغل طموحات الشعب المؤيدة للغرب، وقد أيد زعماء المنطقة ذلك بالفعل، ولاسيما السيد فوتشيتش، وحتى قيام اتحاد غير رسمي من شأنه أن يحقق منافع ملموسة لسكان المنطقة الذين يقدر عددهم بـ 18 مليون نسمة، وسيسهل اندماج دوله في الاتحاد الأوروبي، وهذا الاتحاد ليس فرضاً، بل خيار، وفي تموز الماضي، تعهدت دول غرب البلقان بتكثيف التعاون، والآن، عليهم متابعة ذلك وإنشاء سوق مشتركة، فهذا من شأنه أن يسمح للمنطقة بتحديث الأسواق المالية، وتحسين موارد حكوماتها دون أن تُملي بروكسل أو واشنطن حلولاً سياسية، والتدفق الحر للأشخاص والسلع ورؤوس الأموال من شأنه أن يجعل المنطقة بأكملها أكثر جاذبية للاستثمار، ويُعزز النقل والبنية التحتية، وسيخلق المزيد من الوظائف، ويساعد في وقف هروب الشباب إلى أوروبا الغربية.
ومع ذلك، فإن حل نزاع مقدونيا مع اليونان يتيح فرصة تاريخية، ويتعين على أوروبا (ومعها بريطانيا)، والولايات المتحدة أن تصبحا من المؤيدين المتحمسين لهذا الاتحاد الاقتصادي في البلقان، فقيام مثل هذا الاتحاد لن يكون تجسيداً جديداً ليوغسلافيا السابقة، بل سيكون رابطة فضفاضة من الدول التي توحدها التجارة الحرة، وحركة الناس، والبضائع، على غرار الاتحاد الأوروبي في أيامه الأولى.
وستكون عواقب التراخي وخيمة، فإذا أخفقت القوى الغربية في إبقاء دول البلقان في مسارها نحو التعاون المحلي ونحو العضوية في الاتحاد الأوروبي في النهاية، فإن هذه الدول ستُدفع إلى براثن الانقسام، ما قد يؤدي إلى بلقنة البلقان مرة أخرى.