أشـــــواك وردة شاميــــــة
حظيت البيئة الشامية بظهور جديد لم نعتد عليه من قبل، خرجت فيه من عباءة التقليد الذي فرض نفسه عليها وكأنه العرف والعادة، كما خرجت من سلطة العكيد وابتعدت عن السذاجة التي طالت هذه البيئة باستثناء بعض الأعمال، لم تكن النساء في هذا العمل محصورة في منزلها ولم تكن طوع “ابن العم تاج راسي”، بل كانت مستقلة في بعض الأحيان تدير القصص في غاية الذكاء تنسج المؤامرات والخطط وتقوم بالقتل أيضاً، مسلسل “وردة شامية” (تأليف مروان قاووق وإخراج تامر إسحاق) المأخوذ عن قصة ريا وسكينة، عمل قُدم بطرح جديد ضمن واقع معاش في البيئة الشامية فترة وجود الاحتلال العثماني، تشابهت الخطوط العريضة بين القصتين من حيث دافع الأختين وردة (سلافة معمار) شامية (شكران مرتجى) لارتكاب الجريمة الأولى وهي قتل خالتهما عزيزة (سحر فوزي) التي ظلمتهما وعانتا الكثير منها، وخاصة بعد حرمان “شامية” من ولدها “الطفل الرضيع” البديل عن الفتاة في المسرحية المصرية الذي سيصبح ضابطاً في “الحكمدارية”.
في الحلقات الأولى لا يستطيع المشاهد إلا التعاطف مع الأختين وتبرير أسباب قتل خالتهما ومن ثم إعطاء مبررات أخرى لقتلهما ابتهال (نادين خوري) تلك السيدة المتسلطة التي حاولت كشف سر هاتين الأختين بطريقة مستفزة، وتتوالى الأحداث وشهوة القتل والطمع تعمي قلبهما كما في القصة الأصلية بمساعدة من “عاصم” (سلوم حداد) عامل التنظيفات المراقب لكل أحداث الحارة التي يعيش فيها منبوذاً ويقع في غرام شامية ليتزوجها فيما بعد ويصبح شريكاً في الجرائم المرتكبة، المميز في هذا العمل طابع الغموض الذي سيطر عليه وكمية التشويق الموجودة فيه على الرغم من الجرعة الكبيرة المقدمة من عمليات القتل.
جاء التقارب بين القصتين ضمن الخطوط الرئيسية والمعروفة من حيث سرقة الذهب (المصاغ) والتشابه أيضاً في الطريقة المتبعة في استدراج الضحايا وقتلهن في تقديم الشراب المخدر ثم دفنهن في قبو المنزل، المستجد في القصة كانت تفاقم الشر في الشخصيات، فالكاتب أبرز هذه القدرة على التغلغل في البشر بسهولة بعد كسر الحاجز للمرة الأولى، فبعد مقتل الضحيتين التي ربما يمكن التبرير لهما إلا أن الطمع ولمعة الذهب كانتا أقوى من التوبة، والشر يغري أكثر من الخير، في هذا العمل كان تسليط الضوء على كمية الشر الموجودة في كل منزل من هذه البيئة، فإن لم يشترك بجريمة قتل مثل قتل ابن ابتهال (معتصم النهار) لزوج خالته، فكان الربا من اليهودي شاليط (محمد خير الجراح) وممارسة السحر واللجوء إلى الدجالين تعاطي الحشيش والتحرش.
وردة وشامية كانتا مختلفتين عن ريا وسكينة، فتلك الأختان اكتفتا بالذهب أما هنا فذهبتا إلى بعد آخر فكان الانتقام هو العنوان الآخر لسلوكهما، فاختارتا تصفية الحساب على طريقتهما الخاصة، فكانت المكائد تحاك والأشخاص يسيرون وفق ما يرونه مناسباً لهما.
الحلقة الأخيرة كانت على عكس التوقعات فلم يساق المجرمون إلى حبل المشنقة، بل استطاعت كل من وردة وعاصم الهرب، أما شامية فقررت البقاء لتقع بيد ابنها وتخبره عن كل الجرائم التي قامت بها في سبيل أن يقول لها “يامو”. قدمت الفنانة شكران مرتجى دوراً مركباً جمعت فيه بين الضعف والقوة وبين القسوة والحنان، أما شقيقتها الفنانة سلافة معمار فكانت تعابير وجهها الماكرة إحدى أسلحتها في إيقاع الأشخاص وتحقيق ما تريد، أما الفنان سلوم حداد فأتقن دوره بإبداع رغم صعوبته، وبالرغم من الجهود المبذولة في هذا العمل فقد اعترته بعض نقاط الضعف كذهاب وردة لقبر والدة الطفل الذي أرادت تربيته لأخذ إذن منها، وقتل الضابط (يوسف حداد) لزوج أخته (علاء قاسم) وتورطه في جرائم وردة وشامية ومن ثم التستر عليهما لم يكن معقولاً وتضمن جرعة درامية زائدة.
جاء العمل بصبغة شامية فاستدرجت الورود الشامية ضحاياها آسرة إياها بعبيرها لتنل من الشوك ما لم تنله من العطر.
علا أحمد